الضربة أم القنبلة؟

TT

يتردد بين وزراء الحكومة هنا (في إسرائيل) شعار جديد يقول إن إسرائيل في تعاملها مع إيران تواجه قرارا ما بين «الضربة أو القنبلة». وبعبارة أخرى، إذا لم تضرب إسرائيل، فإن إيران سوف تحصل في النهاية على أسلحة نووية. ويلخص هذا الخيار العسير الحالة المزاجية السائدة بين كبار المسؤولين في حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فمن الواضح أن خيار إسرائيل العسكري ما زال مفتوحا للنقاش إلى حد بعيد، على الرغم من نجاح العقوبات الاقتصادية في إجبار إيران على الدخول في مفاوضات.

ويقول أفرايم هاليفي، رئيس جهاز الاستخبارات الإسرائيلي «الموساد» الأسبق: «إنها ليست خدعة، بل هم جادون في الأمر». وهو نفس المضمون الذي لمح إليه ستة من الخبراء والمسؤولين الآخرين في حوارات أجريت معهم الأسبوع الماضي، وهي أن العالم لا ينبغي أن يستنيم إلى الافتراض بأن كشف الأوراق مع إيران مؤجل حتى العام المقبل. فما زال جهاز الإنذار هنا منيرا بالضوء الأحمر.

وقد حذر القادة الإسرائيليون إدارة الرئيس أوباما مرارا من أن سخونة الأوضاع لن تخف في عام 2012. فحينما قام سياسي إسرائيلي رفيع المستوى بزيارة واشنطن مؤخرا وأخبروه بأن الحالة المزاجية أصبحت أهدأ مما كانت عليه في الربيع الماضي، نبههم الرجل إلى أن حكومة نتنياهو لم تتزحزح عن موقفها «قيد أنملة».

وبدلا من أن تؤدي المفاوضات التي أجرتها مجموعة الدول الكبرى المعروفة باسم «مجموعة 5+1» مع إيران إلى تهدئة مخاوف إسرائيل، ربما تكون في الحقيقة قد عمقتها أكثر. وهذا لا يعود فحسب إلى أن نتنياهو يعتقد أن الإيرانيين يماطلون، حيث يخشى من أنه حتى إذا وفق المفاوضون في مطالبتهم لإيران بإيقاف تخصيب اليورانيوم عند 20 في المائة وتصدير مخزونها من الوقود النووي الذي تم تخصيبه بالفعل إلى ذلك المستوى، فإن هذا سيترك لديها ما يزيد على 6 آلاف كيلوغرام من اليورانيوم منخفض التخصيب، وهي كمية يمكن تطويرها في غضون عام أو أقل إلى مواد تصلح لتصنيع القنابل النووية.

وما يريده نتنياهو هو قلب اتجاه الساعة النووية الإيرانية تماما، بأن يسلب منها كل اليورانيوم المخصب الموجود لديها، وإذا لم تستطع المفاوضات تحقيق هذا، فربما يكون مستعدا لتجربة الوسائل العسكرية.

وتكشف لعبة المراهنات التي تدور حول عملية التخصيب عن اختلاف أكثر عمقا. فبالنسبة للرئيس أوباما، سيكون الدافع للقيام بعمل عسكري هو أن يتخذ المرشد الأعلى في إيران قرارا «متمردا» بالشروع في تصنيع قنبلة نووية، وهو ما لم يفعله حتى الآن. أما بالنسبة لنتنياهو، فإن الخط الأحمر هو منع إيران من أن تصل في يوم من الأيام إلى مستوى من القدرة قد يجعلها تفكر في التمرد، وهو غير مرتاح للسماح لإيران بامتلاك قدرة على التخصيب من الممكن استخدامها في تصنيع قنبلة نووية، حتى في إطار برنامج سلمي من الناحية الظاهرية.

ويرى نتنياهو أن وجود بلاده ذاته على المحك، وهو على استعداد لأن يقود إسرائيل إلى القيام بعمل عسكري منفرد، لأنه غير مستعد لوضع بقاء الدولة اليهودية في أيدي الآخرين. إلا أن بعض الخبراء الإسرائيليين، ومن بينهم عدد من أكبر المؤيدين لحكومته، لا يروق لهم هذا الحديث «الوجودي» الذي يحذر من حدوث «هولوكوست» آخر، قائلين إن هذا يعطل الإمكانات العسكرية الإسرائيلية ويلغي قدرتها على الردع.

وعلى الرغم من أن معظم أعضاء حكومة نتنياهو سوف يؤيدونه على الأرجح، فهناك بعض الظلال الدقيقة التي تنم عن وجود رأي آخر، إذ يقول المسؤولون الأميركيون إن تركيز وزير الدفاع إيهود باراك ينصب على إيقاف إيران قبل أن تدخل «منطقة الحصانة» حينما تبدأ في التشغيل الكامل لأجهزة الطرد المركزي المخبأة تحت أحد الجبال بالقرب من مدينة قم، ومن المحتمل أن تدخل إيران هذه المنطقة في وقت لاحق من العام الجاري. وعلى حد تعبير المسؤولين الإسرائيليين، فإن الموعد النهائي للتحرك «ليس مسألة أسابيع، ولكنه ليس مسألة سنوات كذلك».

ويرى المسؤولون الأميركيون أن باراك ربما يكون هو الآخر أكثر استعدادا من نتنياهو لقبول صفقة تحتفظ فيها إيران ببعض القدرة على التخصيب البسيط (ويمكنها أن تحفظ ماء وجهها عن طريق القول إنها لم تساوم على حقوقها بصفتها إحدى الدول الموقعة على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية) ولكنها لا تستطيع تجميع ما يكفي من المواد لتصنيع قنبلة نووية.

ويتشكك بعض الخبراء الإسرائيليين في ذلك التصور الزمني لدخول إيران «منطقة الحصانة»، ويرون أنه لا توجد أي منشأة، حتى ذلك الموقع المحصن في مدينة قم، تستعصي على ضربة بارعة موجهة إليها، وأن إيران لن تمتلك الحصانة سوى بحصولها على مظلة حقيقية من الأسلحة النووية.

وعلى الرغم من تفهمي لمخاوف نتنياهو، فإنني أعتقد أن شن هجوم إسرائيلي قد يأتي بنتائج عكسية، حيث سيشتت ذلك التحالف الدولي الموجه ضد إيران، وسيؤدي إلى انهيار برنامج العقوبات في الوقت الذي بدأ يؤتي فيه ثماره، وسوف تترتب عليه عواقب لا يمكن التنبؤ بها، وخاصة في وقت يشهد تغييرا كاسحا في منطقة الشرق الأوسط.

وقبل أن يلقي نتنياهو النرد، عليه أن يتذكر التجربة المريرة التي مر بها مناحم بيغين، وهو رئيس وزراء لم يكن أقل منه إخلاصا لإسرائيل، حين سيطر عليه أثناء أيامه الأخيرة في منصبه إحساس بأن القرار الذي اتخذه بغزو لبنان في عام 1982، والذي كان الهدف منه هو حماية أمن إسرائيل، كان خطأ. ولا سبيل إلى معرفة التكاليف والفوائد المحتملة من شن هجوم على إيران، ولكن مهما كانت الظروف، فسوف يكون، كما قال هاليفي، «حدثا سيؤثر على مسار القرن الحالي».

* خدمة «واشنطن بوست»