مرسي رئيسا لمصر في انتظار دستور الثورة

TT

رغم انخفاض شعبية جماعة الإخوان المسلمين في مصر بعد النجاح الكبير الذي حققته في انتخابات البرلمان، نجح محمد مرسي، رئيس حزبها، في الوصول إلى مقعد رئاسة الجمهورية بأغلبية عن منافسه أحمد شفيق، لا تزيد على 882 ألف و751 صوتا. وحتى مع هذه الأغلبية البسيطة فلا بد لمرسي أن يشكر شباب الثورة وأنصارها من المثقفين لمساعدته على تحقيق هذا النجاح، حيث أيدت «6 أبريل» مرشح «الإخوان» وتعفف أنصار حمدين صباحي عن التصويت لشفيق. وهكذا تعاون الليبراليون مع السلفيين لإيصال مرشح «الإخوان» إلى قصر الرئاسة.

ومع هذا فلا يبدو أن وصول مرسي إلى كرسي الرئاسة سوف يضع حدا للانفلات الأمني والتصدع الاقتصادي الذي ساد مصر منذ قيام الثورة قبل عام ونصف العام، ويبدو أن البلاد صارت معرضة لصراع تكسير عظام على السلطة في الأيام القادمة. فقد أعلنت جماعة الإخوان، التي ينتمي إليها مرسي، وحزب الحرية والعدالة، الذي يترأسه، عن إصرارهما على تحقيق أربعة مطالب رئيسية قبل إنهاء الاعتصام في ميدان التحرير، تتعارض في ثلاثة منها مع مطالب الثوار وقرارات المجلس العسكري:

- إلغاء قرار حل مجلس الشعب «الإخواني».

- إلغاء الإعلان الدستوري المكمل الذي أصدره المجلس العسكري.

- عدم تغيير اللجنة التأسيسية للدستور التي شكلها «برلمان الإخوان» قبل حله.

- إلغاء قرار وزير العدل الخاص بمنح سلطة الضبطية القضائية للشرطة العسكرية والمخابرات، بهدف حماية مرافق الدولة والأمن العام.

فرغم صورة الحمل الوديع التي ظهر بها مرسي في الانتخابات، وادعائه بحماية الثورة من فلول النظام السابق، فلا يزال «الإخوان» متمسكين ببرنامجهم السياسي كاملا، ومصممين على فرض سيطرتهم على جميع مرافق الدولة المصرية، فهم يريدون عودة مجلس الشعب المنحل وإلغاء الإعلان الدستوري، حتى تصبح لديهم سلطة التشريع إلى جانب سلطة التنفيذ، فلا يستطيع أحد الاعتراض على قراراتهم أو وقف تنفيذها. وهم يريدون استمرار اللجنة التأسيسية للدستور التي اختاروها حتى يصبح في استطاعتهم إلغاء النظام المدني وإقامة نظام ديني مكانه. فبعد إلغاء المحكمة الإدارية العليا للجنة التأسيسية التي اختارها مجلس الشعب المنحل لعدم صحة تكوينها، وبعد اتفاق القوى السياسية على ضرورة مشاركة جميع طوائف الأمة - بشكل متوازن - في صياغة دستور الثورة، لا يزال «الإخوان» يصرون على الاستئثار بكتابة الدستور عن طريق حصولهم على عدد كاف من الأعضاء يتيح لهم الأغلبية عند التصويت.

ولما كان الدستور هو الناتج الرئيسي لأي ثورة في العالم، فقد رفض «الإخوان» كل المحاولات لوضع دستور يعبر عن أهدف ثورة 25 يناير (كانون الثاني)، وأصروا على الانفراد بوضعه على أساس دولة دينية. وإذا ما تمكن «الإخوان» من وضع دستور للبلاد يمثل أهداف الجماعة – وليس أهداف الوطن – فإن هذا يعني انقلاب جماعة الإخوان على ثورة جماهير الشعب المصري التي قامت في 25 يناير، وإنشاء نظام يتعارض مع أهداف هذه الثورة.

أما سبب رفض «الإخوان» لمنح الشرطة العسكرية والمخابرات سلطة الضبطية القضائية، فهو يتعلق بحرصهم على إمكانية التحرك في البلاد دون خوف من تصدي رجال الأمن لنشاطاتهم. وبينما يعتقد أفراد الشعب العاديون أن قوات الأمن هي التي تحميهم وتحقق لهم الأمان، فإن الأمن كما يراه «الإخوان» يتحقق عن طريق مجموعاتهم المسلحة وكتائب القسام التي تأتي من غزة للمساعدة في تنفيذ خطتهم في مصر. فلم يتمكن «الإخوان» من النزول إلى ميدان التحرير إلا بعد انهيار جهاز الشرطة عقب ثورة 25 يناير واختفاء رجال الأمن تماما من الشارع المصري، حيث تمكنوا من كسر أسوار السجون وحرق أقسام الشرطة والإفراج عن رجالهم هناك، وكان الرئيس محمد مرسي واحدا منهم.

ويعلن «الإخوان» عن ضرورة القضاء على بقايا النظام السابق ووضع حد لاستمرار النظام القديم في بعض مناحي الإدارة المصرية، فهم يتناسون أنهم هم الذين تسببوا في هذا الوضع، عن طريق تأخير كتابة الدستور. فلكي يتم بناء نظام جديد يجب أن تتم كتابة دستور جديد يحدد معالم هذا النظام، فالدستور هو الذي يحدد نظام الحكم ويضع الإطار العام لتغيير القوانين واللوائح التي تحكم أعمال السلطة التنفيذية وعلاقاتها بالقضاء والبرلمان. لكن «الإخوان» - كما بدا واضحا من سلوكهم - لا يهدفون إلى إسقاط النظام السابق فحسب، بل يريدون إسقاط الدولة المصرية ذاتها، كي يتمكنوا من بناء دولتهم الدينية على أنقاضها. ومن يتتبع قرارات برلمان «الإخوان» المنحل يجد أنها تستهدف سلطة القضاء والأزهر والشرطة والإعلام والجيش، أي جميع الأركان الرئيسية التي تقوم عليها الدولة.

وبينما يصر أنصار مرسي الذين تجمعوا في ميدان التحرير على عدم إنهاء اعتصامهم إلا بعد إلغاء الإعلان الدستوري، وإعادة «برلمان الإخوان» الذي تم حله بحكم من المحكمة الدستورية، فقد قال بعض الثوار إنهم سيراقبون أعمال مرسي للتأكد من تنفيذه للوعود التي قطعها على نفسه أثناء الانتخابات، مؤكدين أنهم سيعودون إلى الميدان لو أخلف تحقيقها. فهل يستطيع مرسي كبح جماح «الإخوان» ومحاولة بناء مصر الجديدة التي قامت الثورة من أجلها، أم سيستمر الرئيس الجديد في محاولة فرض برنامج «الإخوان» على شعب مصر؟