أول اختبار للرئيس مرسي

TT

أكتب هذه السطور، بعد ساعات من الإعلان عن فوز الدكتور محمد مرسي، بمنصب الرئيس في «مصر ما بعد الثورة» ليكون، بذلك، خامس رئيس للبلاد، منذ قامت ثورة يوليو 1952 بعد محمد نجيب، وعبد الناصر، والسادات، ثم مبارك. وأول رئيس للبلد بعد ثورة 25 يناير 2011.

ولا أحد يعرف ما إذا كان الرئيس الجديد، سوف يكون قد أدى اليمين الدستورية، عندما ترى هذه السطور النور، أم أن أداء اليمين سوف يتعسر، وربما يتعثر قليلا، أو حتى كثيرا، لا لشيء، إلا لأن الدكتور مرسي، قد أعلن من خلال حملته الانتخابية، وعلى لسان قيادات في حزب الحرية والعدالة الذي كان يرأسه حتى ساعة إعلان فوزه - وهو الحزب الذي يمثل الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين في القاهرة - أنه لن يؤدي اليمين أمام المحكمة الدستورية العليا، كما يقضي الإعلان الدستوري المكمل الحالي، وإنما سيؤديه أمام البرلمان!

وإذا كنت قد وضعت «علامة تعجب» بعد كلمة البرلمان، فالحقيقة أننا، والحال كذلك، في حاجة هنا إلى مائة علامة تعجب، لا علامة واحدة، لأن الدكتور مرسي يعلم جيدا، أن البرلمان القائم، في حكم المنعدم، وأن المحكمة الدستورية العليا، كانت قد قضت، يوم 14 يونيو (حزيران) الماضي، ببطلان القانون الذي قامت على أساسه انتخابات مجلس الشعب (البرلمان) بما يؤدي تلقائيا، إلى حل المجلس، والدعوة إلى انتخابات تشريعية تأتي بمجلس جديد.

وحين جرى حل المجلس، بهذه الطريقة، فقد كان من المحتم أن يصدر إعلان دستوري مكمل، للإعلان الأصلي الذي كان قد صدر في مارس (آذار) قبل الماضي، بما يحدد الجهة البديلة التي سوف يكون على الرئيس الجديد أن يؤدي اليمين أمامها، لأن الإعلان الأصلي كان يقول بأدائها أمام مجلس الشعب، الذي صار غير موجود حسبما قضت المحكمة الدستورية العليا.

وقد صدر الإعلان الدستوري المكمل، بالفعل، قبل ساعات من إعلان نتائج جولة الإعادة في الرئاسة، وجعل أداء يمين الرئيس، أمام المحكمة الدستورية العليا، ما دام البرلمان غائبا، وهي مسألة بدا أن الرئيس الجديد يرفضها، وأنه يريد أن يؤدي اليمين أمام البرلمان!

وهكذا، وجدنا أنفسنا أمام مشكلة، وأكاد أقول أمام معضلة، من صنع الرئيس الجديد، لأنه يعلم أن فقهاء الدستور قالوا مرارا إن حكم الدستورية العليا فيما يخص بطلان وانعدام البرلمان، نافذ، ونهائي، ولا طعن فيه، ولا جدال حوله.. ومع ذلك، فهو، أي الدكتور مرسي، الرئيس المنتخب، قد قصد، كما نرى، أن يضع «العقدة» في «المنشار» كما يقولون في المثل الشعبي المصري، حين يريدون أن يصفوا رجلا يعطل أمرا عن عمد، ودون مبرر في الوقت ذاته!

الشيء المزعج في الموضوع كله، أن مجرد الإعلان عن هذا العزم، من ناحية حملة الدكتور مرسي الانتخابية، وقيادات في الحزب والجماعة، معناه أن الرئيس المنتخب، يبدأ أولى خطواته، نحو قصر الرئاسة، بما يوحي بأنه فوق القانون والدستور، بدلا من أن يحترمهما وينزل على ما يقولان به؟!

فالإعلان الدستوري المكمل، الذي هو دستور ما تبقى من المرحلة الانتقالية في مصر، يقول صراحة، ودون احتمال لأي تأويل، إن الرئيس الجديد عليه أن يؤدي اليمين أمام الدستورية العليا، لا أمام البرلمان، فإذا بالرئيس مرسي، يقفز فوق الدستور، ويصرح بما يجعله يصطدم معه، ويضع لنفسه دستورا خاصا، إذا جاز التعبير، ويؤكد على مدى الساعات التالية لإعلان فوزه، أن يمينه الدستورية ستكون أمام البرلمان، وليست أمام المحكمة الدستورية العليا.

طبعا.. الرئيس المنتخب، وضع نفسه في مأزق، منذ أول لحظة، لأنه إذا ذهب وأدى اليمين أمام الدستورية العليا، فسوف يكون قد خالف ما نادت به «الجماعة» ولا تزال، في ميدان التحرير، بإلغاء الإعلان الدستوري المكمل، وإعادة البرلمان، وعدم الاعتراف بحكم المحكمة الدستورية العليا، أو على الأقل، عدم الاعتراف بعواقبه، كحكم، على المجلس، وهي - أي الجماعة - تعرف أن هذا شبه مستحيل، وأنه لو حدث فسوف يؤدي إلى مشاكل بلا حصر.. وإذا تخلى، أمس أو اليوم، عن التمسك بأداء اليمين أمام الدستورية العليا، فقد تراجع عن كلام صدر عنه، بعد نجاحه بساعة، وهو ما لا يليق في حق رئيس جديد، يريد منه الناس أن يكون ملتزما بكلمته، قادرا على أن يفي بها، لا أن يبتلعها فجأة!

أعود لأقول، إن هذه المشكلة، كانت تمثل فرصة أمام الدكتور مرسي، ليثبت من خلالها، أنه خلع رداء جماعة الإخوان، باعتبارها مجرد جماعة سياسية في الدولة المصرية، ضمن جماعات أخرى، وإنه، في المقابل، ارتدى رداء الرئيس الذي يرأس كل المصريين، لا جماعة واحدة بينهم، هي جماعة الإخوان.

كان في إمكانه أن يخرج على الناس، ثم يقول ما معناه، إنه قبل أن يجري انتخابه رئيسا، كان منتميا إلى جماعة الإخوان، وكان ملتزما بمطالبها في الميدان، وفي غير الميدان، ولكنه، بعد أن أصبح رئيسا، قد صار مختلفا، ولم تعد بينه وبين جماعة الإخوان صلة، وأن مطالبها إذا كانت لا تزال قائمة، فهي تخصها وحدها، ولا تعنيه هو، لأنه في منصبه الجديد، يعبر عن آمال وطموحات المصريين جميعا، لا عن آمال جماعة بعينها.. أو هكذا نفترض.

كان في إمكان الدكتور مرسي، أن يغتنم هذه الفرص، ليؤكد أن خروجه أو استقالته من الجماعة، بحكم منصبه الجديد، إنما هو خروج ثم استقالة من المضمون، قبل الشكل.. ولكن ذلك، مع الأسف، لم يثبت لنا، ولم يكن الدكتور مرسي منشغلا بأن يثبته، بما أدى إلى أن يلتزم وهو رئيس، بما كان يلتزم به هو نفسه، قبل أن يصبح رئيسا، وحين كان لا يزال عضوا في الجماعة، وقيادة فيها!

لا يريد المرء أن يفسد على غالبية بين المصريين، فرحة الفوز بالرئيس الجديد، ولكننا نريد، منذ البداية، أن نكون على يقين، لا يقبل الشك، بأن رئيسنا المنتخب، قد طوى تماما صفحة «الجماعة» في حياته، وأنه ينظر إلى الجماعة، من نافذة الوطن الممتدة، بدلا من أن يتطلع إلى وطنه، من نافذة الجماعة الضيقة للغاية، بحكم طبيعتها.. ولكنه، على كل حال، اختبار أول، ابتعد فيه الرئيس المنتخب، عن الصواب، واختار، دون أدنى مبرر، أن ينحاز إلى «الجماعة».. لا إلى الوطن!