اعذروني.. سوف أذهب إلى المطبخ

TT

هناك أغنية قديمة متفائلة - وإذا لم أكن غلطان فهي للمطربة (ليلى مراد) - تقول فيها: (اضحك، كركر)، فيرد عليها الكورس قائلين: (ها، ها، ها).

كما أن هناك حكمة تؤكد وتحذر قائلة: اضحك تضحك لك الدنيا، ابك تبك لوحدك.

ورغم أنه لا تعوزني كثرة (الكركرات)، فإنني في نفس الوقت بكّاء من الطراز الأول، إلا أن الدنيا لم تتجاوب يوما مع كثرة كركراتي، ولم تبادلني فرحا بمثله، بل إنها بالعكس تسطع بالضحكات عندما تشاهدني أبكي، ولا تتركني حتى بحالي.

إن من يكتب في هذا المجال الساخر، إنما هو أشبه ما يكون بالطبيب الذي يحاول علاج الناس وهو عليل.

وفي هذه اللحظة الحزينة فعلا، تذكرت الواقعة التالية:

في ذات مساء من سنة 1808 دخل عيادة الدكتور (جيمس هاملتون) في مدينة (مانشستر) في إنجلترا رجل هزيل كئيب، وصعق الطبيب لمظهر زائره الكالح المضني وسأله:

- أنت مريض؟!

- أجل أيها الطبيب، مريض مرضا مميتا.

- أي مرض تشكو منه؟

- أنا مذعور من رعب العالم المحيط بي، أنا منبوذ من الحياة، لا أستطيع أن أجد السعادة في أي مكان، ولا شيء يسليني، وليس لدي ما أعيش من أجله، فإذا لم تستطع مساعدتي فسأقتل نفسي.

- هذا المرض ليس مميتا، كل ما ينبغي لك عمله هو أن تخرج من نفسك، وكل ما تحتاج إليه هو أن تضحك وتفوز ببعض المتعة من الحياة.

- وماذا ينبغي لي أن أفعل؟

- اذهب إلى السيرك الليلة لمشاهدة المهرج (غريمالدي) فإنه أعظم مسل حي، إنه سيشفيك، فقال له الرجل الحزين البائس:

- أنا غريمالدي، أيها الطبيب! - انتهى.

كنت أتمنى لو لم أخرج لكم اليوم بهذا الوجه الكئيب، ولكن ما باليد حيلة، خصوصا إذا أردت أن (أفضفض) لكم، وأكون صادقا مع نفسي، وأجرها حتى على الشوك.

وقبل مدة طويلة جدا - أي قبل يومين - اجتاحتني موجة من البكاء الصامت الدفين، وما زالت تلازمني وتسبق كلماتي المتعثرة التي تخطها الآن مرسمتي الدامعة.

يا الله، أريد أن أخرج من ثوبي، إنني لا أطيق هذه (الدراما) الجاثمة على صدري المنهك.

وأعتقد - والله أعلم - أنني في حاجة قصوى إلى كوب كبير من (اليانسون) عله يريحني ويشفي غليلي، فاعذروني سوف أذهب إلى المطبخ.

[email protected]