العراق بين الإصلاح والانتخابات المبكرة

TT

برزت ثلاثة تطورات جديدة بشأن الوضع السياسي والجهود الرامية لحلحلة الأزمة السياسية في العراق؛ أولها دعوة رئيس الوزراء نوري المالكي إلى إجراء انتخابات مبكرة في حال فشل الحوار بين الأطراف السياسية وإجراء الإصلاحات في مؤسسات الدولة، والثاني تأكيد هيئة رئاسة البرلمان المضي في ممارسة دورها التشريعي والرقابي، بينما قرر «التحالف الوطني» تقديم ورقة إصلاحات جامعة للكتل السياسية خلال الأيام المقبلة وهو الخيار الثالث، وبالتزامن مع هذا دعوة السيد مقتدى الصدر للحوار في النجف.

وعندما نريد أن نجد مدى حظوظ كل من هذه الخيارات في القبول أو الرفض من قبل القوى السياسية، سنجد أن خيار الانتخابات المبكرة وإن كان يمثل الحل المطلوب في ظل التقاطعات الكبيرة بين السلطة التشريعية والتنفيذية، إلا أنه لن يستطيع إفراز نخب سياسية جديدة بقدر ما أنه قد يكرس الحالة الحالية بحكم قانون الانتخابات نفسه وعدم تعديله، مضافا لذلك عدم وجود قانون أحزاب ينظم الحياة السياسية في البلد، وبالتالي فإن الكثير من القوى السياسية ترفض خيار الانتخابات المبكرة بسبب ضعف أدائها وتخوفها من خسارة مقاعدها الموجودة حاليا باستثناء دولة القانون، وجزء من القائمة العراقية وبالتحديد حركة الوفاق بزعامة إياد علاوي اللتين تجدان أن الانتخابات المبكرة من شأنها أن تزيل الكثير من الشوائب الموجودة حاليا من جهة ومن جهة ثانية قد تمهد الطريق فعلا للإصلاحات المطلوبة في البلد.

هذا الخيار كما قلنا يستبعده البعض، لكن لو نظرنا له فإننا نجد فيه الكثير من الحلول لتجاوز الأزمات الدائمة في العراق.

أما الخيار الثاني الذي يتمثل في أن يأخذ البرلمان دوره التشريعي والرقابي، فإنه خيار (شعارات ليس إلا)، لأن هذا لا يحمل سوى إدانة واضحة بأن البرلمان لم يمارس دوره في السنتين الماضيتين لا في التشريع ولا في الرقابة، فكيف يمكن أن يكون قادرا على تنفيذ مهامه الآن؟ وبالتالي، فإن العملية السياسية في البلد هي نتاج البرلمان وليست إنتاج الحكومة، خاصة أن البرلمان يمتلك من الصلاحيات أكثر مما تمتلكه السلطة التنفيذية، ولكن ما منع البرلمان من أن يأخذ دوره هو التوافقات السياسية التي غيبت السلطة التشريعية، وتحول المُشرع العراقي لرجل سياسة ورجل صفقات وتخلى عن دوره الأساسي في ظل فشل رئيس البرلمان في أن يكون حياديا كما يجب أو أن يكون عامل تخفيف للأزمة بدل أن يكون جزءا مهما منها.

أما الخيار الثالث وهو الأقرب للتحقق بعد أن وصلت كل الأطراف لطرق مسدودة، خاصة بعد فشل مشروع سحب الثقة من رئيس الوزراء نوري المالكي وترنح القوى الساعية للاستجواب بعد مبادرة السيد مقتدى الصدر للجلوس للحوار في النجف التي نالت رضا «التحالف الوطني»، فإن هذا الخيار يبدو الأكثر قبولا، فهو يحفظ للجميع ما تبقى لهم من ماء الوجه من جهة ومن جهة ثانية يحقق نوعا من الإصلاحات وليست إصلاحات كاملة لأن الخلل يكمن في طبيعة النظام السياسي العراقي، فالمشكلة لا يمكن أن تكون في شخص رئيس الوزراء بقدر ما أن المشكلة في صلاحيات هذا المنصب دستوريا، والإصلاحات عنوان كبير لا يمكن أن يُحل بجلسة أو سنة، ولكن بالتأكيد فإن الإصلاحات التي يريدها البعض تتركز في ملف التوازن السياسي خاصة في القيادات العسكرية سواء للجيش أو الشرطة، وأعتقد أن هذا الملف هو جوهر ما تنادي به القائمة العراقية التي تعاني ضغط شارعها الذي رفض في السنوات الماضية الانخراط في الجيش والشرطة ووجد نفسه الآن بحاجة ماسة لأن يكون في الصف الأول من القيادات العسكرية والأمنية، وأعتقد أن القائمة العراقية مطلوب منها أن تتعامل في هذا الملف بعقلية جديدة ولا تحاول زج أسماء مرفوضة مسبقا لشغل مناصب أمنية، وهي قد فشلت من قبل في تقديم مرشح لوزارة الدفاع وظلت تزج بأسماء عليها أكثر من علامة استفهام من قبل «التحالف الوطني».