وعدوا فأوفوا

TT

بعد الانتهاء من المراسم الاحتفالية التي تلت انتخابات الرئيس المصري محمد مرسي وقيامه بإلقاء القسم الرسمي بصفته رئيس الجمهورية أمام الجمعية العمومية للمحكمة الدستورية، وكذلك إلقاء الخطاب الرئيسي له في القاعة الكبرى بجامعة القاهرة أمام نخبة المجتمع المصري بمختلف مشاربه، تلا ذلك ختام اليوم باحتفالية أقيمت برعاية ودقة من قبل القوات المسلحة والمجلس الأعلى ليتم تسليم السلطة «تماما» للرئيس المدني الأول في تاريخ مصر.

في وسط الاحتفالات بهذا الحدث الكبير والمهم يتناسى الناس الدور الحيوي والمهم للقوات المسلحة المصرية التي سيسجل لها التاريخ أن رئيس مجلسها العسكري والحاكم الفعلي للبلاد طوال ستة عشر شهرا الماضية، المشير محمد حسين طنطاوي، سلم السلطة لرئيس مدني ليكون بذلك ثالث عسكري في العالم العربي يقوم بعمل ذلك الأمر المهم بعد سوار الدهب في السودان وفال في موريتانيا. حقيقة الأمر أن المجلس العسكري كان الواجهة المشرقة في مشاهد شديدة التعقيد والمبالغة والفوضى. فلقد تسلم زمام إدارة شؤون البلاد والوضع خطير، دولة وحكومة انهارت واختفت ملامح الأمن والاستقرار، واهتزت الثقة وتدهور الاقتصاد، وكل ذلك في غضون أيام قليلة جدا، وزاد الأمر صعوبة الانقسام الحاد الذي سيطر على العقلية السياسية للشارع المصري،

وبدأت لغات التخوين والتشكيك والإهانة بشكل غير مسبوق أبدا، ولم يسلم أي شخص ولا أي كيان من التجريح والاتهام، حتى نال الجميع من ذلك المجد نصيبا. ومع ذلك التزم المجلس العسكري بالقيام بالانتخابات البرلمانية في موعدها وكانت ناجحة بكل المعايير، وكذلك التزم المجلس العسكري بإجراء انتخابات رئاسية، وقد تمت على الرغم من «الضوضاء» و«الصخب» لها والتدخلات الإعلامية والحزبية والثورية والقانونية التي كانت تحاول أن تشكك في الانتخابات والنتائج، و«تؤكد» أن الجيش سيلغي الانتخابات أو على أقل تقدير «سيعيد» بالانتخابات شخصية من طرفه، وكل ذلك الأمر لم يحدث إلى أن تم بالفعل تسليم السلطة بالكامل للرئيس الجديد، يدعم ما حصل كله مجموعة من المؤسسات الحكومية التي كان لها الأدوار اللافتة والمهمة التي ساعدت على تكريس فكرة الدولة واحترامها، فشاهد العالم دور المحكمة الدستورية العليا ودور رئاسة الجمهورية والحرس الجمهوري ومجلس الوزراء والمؤسسة العسكرية، كل كان يقوم بدور محدد ومعروف، والغرض منه إرساء الأرضية المطلوبة والمناسبة للمرحلة الانتقالية. المجلس العسكري كان هو النجم المجهول لثورة 25 يناير وهو اليوم يظهر بمظهر حضاري وراق مقارنة بجيوش ليبيا واليمن وسوريا.

الجيش المصري وعد بتسليم كامل السلطة في التواريخ المحددة وأوفى والتزم بما قال، نعم كان هناك العديد من الأخطاء والهفوات والزلات، فالموقف مهيب والوضع عصيب، والبلد في حالة ثورة وغليان مستمر، والغضب والشك كانا سيدي الموقف، وبالتالي كان المناخ غير صحي ولا طبيعي في أن تكون الحوكمة الرشيدة قائمة، وخصوصا أن هناك العديد من الفرق والمجاميع كانت لها رغباتها في التأثير على أرض الواقع بحق وباطل. حكم العسكر أصبح جملة مقيتة لما تحمله من مشاهد مرعبة من الكذب والخداع والذل وكسر الكرامة بمراقبة ومراجعة التاريخ المؤلم لتلك التجارب في سوريا والعراق والسودان وليبيا والجزائر واليمن ومصر نفسها.

هناك العشرات إن لم يكن المئات من الأمثلة المخجلة والمرعبة للحكم الدموي المرعب للعسكر في العالم العربي، وما يحدث في سوريا الآن على أيدي بشار الأسد وزمرته ما هو إلا تأكيد كامل لصدق هذه المقولة بلا شك، ولذلك يأتي التصرف الراقي والمسؤول في احترام رغبة وإرادة الشعب، واليقين بحتمية التغيير المطلوب من قبل المجلس الأعلى في مصر، وهو نموذج محترم لأداء الواجب على أكمل وجه، وهذا يفسر بشكل واضح معنى التحية العسكرية التي أداها المشير محمد حسين طنطاوي ونائبه الفريق سامي عنان للرئيس محمد مرسي تأكيدا كاملا لهما بإدراكهما أن دورهما «الحكومي» انتهى، وأنهم عادا لدورهما العسكري أمام رئيس جديد لهما. مشهد جميل ونادر.

[email protected]