كيف ننقذ منطقة اليورو؟

TT

فاقت الجلسة التي جمعت قادة أوروبا التوقعات. وقد تم الاتفاق على أرضية جديدة تسمح باستخدام أموال الإنقاذ الأوروبية لإعادة رسملة المصارف المتعثرة في الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والتي ستنشئ آلية إشراف واحدة على المصارف تابعة للبنك المركزي الأوروبي.

ردت الأسواق العالمية بارتياح مبدئي تجاه الاتفاق الذي يهدف إلى وقف الأزمة المصرفية المتفاقمة في منطقة اليورو، والتي تشكل تهديدا وجوديا وآنيا لمنطقة اليورو.

وعلى الرغم من الغموض الذي يحيط بالكثير من التفاصيل، يبدو الاتفاق خطوة هامة في الاتجاه الصحيح، لكن ينبغي بذل المزيد من الجهد لوضع اليورو على المسار الصحيح للمستقبل والحيلولة دون سقوط اليورو في دوامة الكساد والركود.

هذه الأزمات السياسية والاقتصادية التي يواجهها قادة أوروبا اليوم هي نتاج أكثر من ثلاث سنوات من الأخطاء السياسية وتحديد العلة.

في بداية الأزمة كانت أوروبا ككل تتمتع بموقف مالي جيد. وكانت ودائعها متوازنة، وكانت نسبة الدين الحكومي إلى إجمالي الناتج المحلي أقل من نظيرتها في الولايات المتحدة واليابان وكان معدل قوتها الإجمالي قريبا من معدلاتها في الولايات المتحدة.

لقيت إسبانيا وآيرلندا إشادات بأدائهما المالي المستقيم، فكانت نسبة الدين الحكومي إلى إجمالي الناتج المحلي أقل من ألمانيا. ولم يبد المستثمرون قلقا بشأن مخاطر العجز عن تسديد ديون إسبانيا وآيرلندا أو الديون السيادية الإيطالية المزمنة، والتي حفظتها وخدمتها ودائع المواطنين الضخمة إلى حد كبير.

كان وهم تقارب العائدات على السندات بعد طرح اليورو وتجاهل حقيقة أن أوروبا تفتقر لكل من مقرض الملاذ الأخير، وهيئة مالية متكاملة، دفع المستثمرين إلى تغذية ازدهار ائتمان القطاع الخاص في الدول الهامشية الأقل نموا في أوروبا والتي فشلت في إدراك الفقاعات العقارية في تراجع حكومات إسبانيا وآيرلندا واليونان إلى الإفلاس.

عندما تراجع النمو العالمي بحدة وانهارت تدفقات الائتمان في أعقاب الكساد الكبير، حيث تراجعت العائدات الحكومية في أنحاء منطقة اليورو، وأجبرت الحكومات دفع ديون القطاع الخاص وارتفع العجز الحكومي.

وباستثناء اليونان، كان التراجع في التمويلات العامة أحد أعراض الأزمة، لا سببا لها. علاوة على ذلك، كان التدهور متوقعا، حيث ارتفع المخزون الحقيقي في أعقاب الأزمات التي تسببت فيها الأزمات المالية. (زاد دين الحكومة الفيدرالية في الولايات المتحدة أيضا لنفس السبب).

لكن القادة الأوروبيون، يتقدمهم ألمانيا، شخصوا المشكلة على أنها تبذير مالي تتطلب تقشفا وعلاجا مؤلما وبحسب منطق التقشف كان الانخفاض الواضح في العجز الحكومي شرطا مسبقا لاستعادة مصداقية الحكومة وثقة المستثمرين، وخفض معدلات الفائدة واستعادة النمو.

لم يجدِ التقشف، بل أتي بنتائج عكسية. ففي الدول التي سحقتها أهداف التقشف المرهقة انخفض النمو والوظائف إلى جانب الدخل الحكومي. وقوض التقشف من ثقة السوق ولم يعززها.

يدرك المستثمرون، مثل الناخبين، أن الركود وارتفاع البطالة توسع من العجز والدين الحكومي على المدى القصير. وقد فقدت السوق ثقتها في الديون السيادية في إسبانيا وإيطاليا، حتى إن فرنسا مهددة هي الأخرى في الوقت الراهن. وتتضح العدوى في تكلفة الاقتراض الحكومي العالية، الذي قاد الدول التي كانت قادرة على سداد الديون إلى الإفلاس، وهروب رؤوس الأموال وقاد المصارف القادرة على سداد الديون إلى الإفلاس.

تعثرت كل من اليونان والبرتغال في شباك الديون التقليدية حيث فاقت نسبه الفائدة على ديونها السيادية معدلات نموها بفوارق كبيرة، وإسبانيا على شفا مواجهة ذلك. وتواجه فرنسا وإيطاليا وإسبانيا معدلات فائدة أكثر ارتفاعا على ديونها السيادية من بريطانيا على الرغم من أن موقفها المالي سيئ إلى حد بعيد.

الآن ينبغي على أوروبا تنفيذ عدة تدابير معقدة ومثير للجدل على الصعيد السياسي لوقف الأزمة وتعزيز النمو.

تحتاج أوروبا في البداية إلى تدابير آنية لاستقرار الأسواق المالية. وتبدو موافقة القمة التي عقدت الأسبوع الجاري خطوة مهمة في هذا الإطار، فهي تسمح باستغلال موارد صندوق الإنقاذ، صندوق الاستقرار الأوروبي، الذي يبلغ حجمه 500 مليار يورو بصورة مباشرة لإعادة رسملة المصارف الهامة بصورة منهجية.

من الناحية المالية لا يمكن للحكومات الوطنية المتعثرة القيام بذلك، وإقراضهم الأموال للقيام بذلك يزيد من مخاطر مشكلات ديونهم السيادية. أموال منطقة اليورو ضرورية لكسر حلقة التغذية الراجعة بين الديون السيادية وميزانيات المصارف على المستوى الوطني لوقف هروب رؤوس الأموال والودائع من المصارف المتعثرة. ويستهدف الاتفاق تنفيذ ذلك.

طالب الاتفاق أيضا بإنشاء هيئة رقابة أوروبية موسعة يشرف عليها البنك المركزي الأوروبي، للمصادقة على استخدام أموال الإنقاذ لإعادة رسملة المصارف. وسوف تحتاج أوروبا على المدى البعيد اتحادا مصرفيا يتمتع بآلية الرقابة والإشراف، وخطة تأمين ودائع مدفوعة من قبل الرسوم المصرفية، وهيئة لاتخاذ القرارات تابعة للبنك المركزي.

وسيسمح الاتفاق أيضا بإمكانية استخدام أموال إنقاذ اليورو لشراء الديون السيادية وخفض تكلفة إقراض كل من إيطاليا واليونان - الدول التي تتمتع بوضع أفضل، التي تخضع لهجوم سوق تخمينية خلال سعيها للالتزام بأهداف العجز القاسية للميثاق المالي الأوروبي.

وإذا ما أثبت صندوق إنقاذ منطقة اليورو أنه غير كاف للوفاء بهذه الأهداف - كما يبدو متوقعا - ينبغي تقديم سندات يورو جديدة مدعومة من جميع أعضاء الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك ألمانيا، لجمع المزيد من الأموال. وسيكون الخطر الأخلاقي هو الحجة الأبرز ضد هذه السندات، لكن الخطر الأخلاقي يمكن احتواؤه عبر الحد من كم ومدة هذه السندات، وقصر استخدامها على الدول التي تلتزم بالميثاق المالي وعلى المصارف التي تلتزم بالإشراف عليها من قبل البنك المركزي الأوروبي.

حينئذ، يمكن بل وينبغي للبنك المركزي الأوروبي أن يقدم المزيد من الأموال للتخفيف من الأزمة المصرفية من خلال توسيع مؤسسة الإقراض طويل الأجل للمصارف ومن خلال التيسير الكمي أو زيادة ميزانيات المصارف والقطاعات الخاصة الأخرى.

بحسب معاهدة الاتحاد الأوروبي لا يجوز للبنك المركزي الأوروبي شراء الديون السيادية للدول الأعضاء، ومن ثم لا يمكنه القيام بدور مقرض الملاذ الأخير لهذه الدول، كما هو الحال بالنسبة للاحتياطي الفيدرالي مع حكومة الولايات المتحدة. وتحتاج منطقة العملة الموحدة المثلى إلى مقرض الملاذ الأخير للدول الأعضاء، لكن أوروبا لا تملك واحدا، وهو ما يعتبر فراغا مؤسسيا كبيرا يقوض من استقرار اليورو.

لكن البنك المركزي الأوروبي يملك سلطة تحديد معدل الفائدة، ومن ثم ينبغي أن يخفض الفائدة إلى قريب من الصفر لتحفيز النمو في غياب الضغوط التضخمية.كما ينبغي على ألمانيا، صاحبة العجز المالي المتواضع والتي سجلت معدل فائدة منخفضا على سنداتها الحكومية وفوائض ضخم في حسابها الجاري مع شركائها الأوروبيين في المقام الأول، أن تدعم النمو الأوروبي من خلال تدابير التحفيز المالي بما في ذلك توفير الأموال لزيادة على البنية التحتية في منطقة اليورو من خلال بنك الاستثمار الأوروبي وسندات مشروعات خاصة موجهة لذلك.

تشد ألمانيا على أهمية إصلاحات البنية التحتية للنمو - لكن مثل هذه الإصلاحات هي تدابير جانب الإمداد التي تتطلب وقتا. ويبدو أن المستشارة أنجيلا ميركل قد تناست أن تحويل ألمانيا الشرقية إلى منافس لألمانيا الغربية تطلب أكثر من عقد وما يقرب من تريليوني يورو من الإعانات للإصلاحات البنيوية.

في الوقت الراهن، يعتبر الطلب والحصول على القروض العائق الرئيس أمام منطقة اليورو، فضلا عن الإصلاحات البنيوية التي تمثل مشكلة أصعب في تنفيذها في اقتصاد متقلص، وتسفر عن مزيد من البطالة الانتقالية والموارد المهدرة وتقوض الدعم السياسي.

ربما يكون تحرير القيود الوطنية على قطاع الخدمات الإصلاح البنيوي الأكثر قوة الذي يمكن لأوروبا القيام به، لكن حتى ألمانيا لا تقوم سوى بالقليل في هذه المنطقة الحساسة سياسيا.

ناقش قادة أوروبا خلال اجتماع القمة هذا الأسبوع خططا طموحة بعيدة المدى بشأن إنشاء اتحاد مصرفي واتحاد مالي ذي سلطة مركزية خاصة بالميزانية. وكلا النوعين من الاتحادات أساس رئيسي ليورو قابل للاستدامة في المستقبل.

سيقدم الاتفاق على هذه الخطة طويلة الأجل غطاء سياسيا لألمانيا لدعم التدابير قصيرة الأجل المطلوبة في الوقت الراهن، والمتمثلة في الاستخدام الأوسع نطاقا لأموال الإنقاذ الأوروبية وإصدار سندات اليورو وتدابير أكثر قسوة من قبل البنك المركزي الأوروبي وحلف نمو كبير.

الوقت ينفد، ولا بد من تحرك فوري. فمصير اليورو واستقرار أسواق المال العالمية وقوة الولايات المتحدة والانتعاش العالمي يعتمد على ما سيقرره قادة أوروبا.

* أستاذة في كلية هاس لإدارة الأعمال بجامعة كاليفورنيا في بيركلي، وعملت مديرا لمجلس المستشارين الاقتصاديين في إدارة الرئيس بيل كلينتون