صلح الشيخ مرسي مع الإسلام الفارسي

TT

حاول الشيخ محمد مرسي إقناع العرب والمصريين بأن تصريحاته التي أدلى بها إلى منظومة (فارس) الإعلامية الإيرانية شبه الرسمية، كانت من قبل «الدردشة». ربما «للتفريج» عن مرارة القلق، في انتظار الإعلان الرسمي بفوزه بالرئاسة.

عندما عادت «فارس» للتأكيد على أن التصريحات كانت حقيقية وجادة حول إقامة علاقة تنسيقية بين إخوان مصر و«آيات» إيران، رد الشيخ مرسي بعد ترئيسه، بأن مصر لا تستورد ثورة (إيرانية). ولا تصدر ثورة. واضطرت وكالة «إرنا» الإيرانية الرسمية إلى تكذيب زميلتها «فارس» استرضاء للشيخ مرسي، وحرصا على وفائه بالوعد بـ«تصليح» العلاقة المصرية مع إيران.

النفي. والتكذيب. والرد على الرد... كل ذلك يعطي انطباعا عن هشاشة السياسة المستقبلية للنظام الإخواني الجديد في مصر. وهي لا شك تثير قلق عرب الخليج والمشرق. القفز إلى إعادة العلاقة المصرية الدبلوماسية مع نظام الآيات، يوحي بأن الشيخ مرسي لا يملك تصورا وإدراكا لحقيقة الوضع على الجبهة المشرقية العربية.

إيران بلد إسلامي. اختلاف المذهبين السني العربي والشيعي الفارسي لا يلغي الحاجة القصوى إلى إقامة علاقات ودية طبيعية بين الفرس والعرب. لكن التهديدات الإيرانية بقصف الخليج، إذا قصفت المنشآت النووية الإيرانية. ثم اختراق إيران لعروبة العراق. وسوريا، وصولا إلى استيطان محميتها اللبنانية (دويلة حزب الله)، تفرض على مصر كبرى الدول العربية، أن تكون حذرة. واعية. متنبهة للخطر الإيراني.

النظام الإخواني بحاجة إلى سياسة عربية جريئة. واضحة. ثابتة. التجربة التاريخية باتت معروفة: مصر تخسر نفوذها. بل واستقرارها الداخلي، عندما تتردى علاقتها مع عرب المشرق والخليج. لا تكفي «البالونات» الوردية التي أطلقها الشيخ مرسي، عن التزام نظامه بالمعاهدات والاتفاقات التي وقعها نظاما مبارك والسادات. هناك حاجة إلى مزيد من التفاصيل، وتسمية الأمور بمسمياتها، تماشيا مع الظروف والأحداث الراهنة.

بخصوص إيران، كان على النظام الإخواني أن يستهل طلعته، بإدانة إسناد النظام الديني الإيراني للنظام العلوي الذي يذبح شعبه على الأرض. ويقصف المدن والقرى من الجو. كان على النظام أن يبدي تعاطفه الأخوي مع عرب الخليج، وبالذات مع السعودية، في وجه هذا السيل المتدفق من التهديدات والتدخلات، لإثارة الشيعة ضد السنة، في منطقة عربية بالغة الأهمية الاستراتيجية.

صياغة سياسة إقليمية تفرض على النظام الإخواني الإعراب عن التزامه بحماية عروبة المنطقة. ومعرفة تامة بتحولاتها. وأزماتها، على الأقل، منذ القرن الماضي. ذلك قدر مصر وواجبها. «صلح» الشيخ مرسي مع الإسلام الفارسي، يوحي بجهل «إخواني» لتاريخ الصراع العربي/ الإيراني.

هناك فارق عصبي بين التشيع الفارسي والتشيع العربي. تجدد العنصرية التاريخية عصبيتها الفارسية، بمحاولة غزو المذهب السني. هناك إلحاح إيراني على فتح «حسينيات» في المدن المصرية. رد الأزهر بالرفض. قال إن مساجد السنة مفتوحة للشيعة القلائل في مصر.

هناك مؤثرات دينية عبر التبادل الثقافي والإنساني. عشرات الحوزات (كليات دينية) فتحت في سوريا، لنشر المذهب الشيعي، إمعانا في تمزيق بلد عربي، فيه 18 دينا. ومذهبا. وطائفة.

منذ الانتفاضة المصرية، هناك استيراد منظم لوفود مصرية شعبية، تضم مدنيين (بينهم إخوان مسلمون). ومثقفين. وصحافيين. وسياسيين. ورجال دين. توزع على هؤلاء، كتب دعاية للسياسة الإيرانية. وللمذهب الشيعي الفارسي. وتنظم لهم زيارات «للعتبات المقدسة» في إيران التي لا وجود لها حقيقة، سوى العتبات الشيعية في العراق.

هناك مليونا مصري يعملون في الخليج. النظام الخليجي لا يرحل المصريين، كلما حدثت أزمة عابرة، كما كان يفعل صدام والقذافي، بخساسة. وسوء نية. تعاطف النظام الإخواني مع عرب الخليج ضروري. ليس من باب العواطف فحسب، وإنما أيضا من باب المصالح، إذا كان الشيخ مرسي (محب الفقراء والمهاجرين) حريصا حقا على تواصل تدفق ملايين المصريين على الإقامة. والعمل. والادخار، في الخليج، قبل حرصه على التواصل مع «فارس» والأصدقاء من «الآيات».

لم أكن أقصد إحراج الشيخ مرسي، عندما دعوت إلى توقيع فحص طبي عليه. لم يعد المرض عائقا لأكبر مسؤول في الدولة من أن يحكم، نتيجة للتقدم العلمي المذهل في الطب. علم الرئيس ميتران بأنه مصاب بسرطان البروستاتا في السنة الأولى من حكمه (1981). عندما تولى ريغان رئاسة أميركا وهو في عامه التاسع والستين، كان في بداية إصابته بالعته (ألزهايمر).

خطبه الشعبوية أثارت من القلق أكثر مما أوحت بالثقة والطمأنينة. غادر منافسه أحمد شفيق مصر فورا. ينسى الشيخ مرسي أن 12 مليون مصري يمثلون نصف مصر صوتوا ضده. في هذا الاصطفاف الانقسامي، يتعين على أي رئيس أن يراعي الرؤى المتناقضة لـ85 مليون مصري.

هاجس الغيرة على سلامة الشيخ مرسي، يدفع إلى الظن بأنه يعاني من استشارة سياسية غير سليمة. بعد استقالته من رئاسة حزب الإخوان، تلقى انتقادا أعاده إلى صفوف الحزب. لعل هناك تخطيطا لدى قيادة الإخوان باستثمار تكرار الأخطاء، لدفع الشيخ مرسي إلى الاستقالة، ليفسح المجال أمام ترئيس الشيخ الآخر. الشاطر خيرت.

إلحاح الشيخ مرسي على استعادة سلطاته وصلاحياته، يبدو متناقضا في دعوة جمهوره إلى الصبر! الصبر على ماذا؟ آه. كده. برضه. الصبر تاني على البطالة. الحرمان. وعلى الاقتصاد المنهار الذي أصبح في عهدة الرأسمالية الإخوانية. خيرت الشاطر شكل منذ الآن بطانة إخوانية رأسمالية، في انتظار المليارات من قطر. إيران. المصارف الدولية، لتقويم الاقتصاد.

أخيرا، أقترح أن تقدم جمهورية مصر الإخوانية على تجربتين رائدتين، لإثبات مصداقيتها الديمقراطية أمام ملايين المشككين: تحييد الجيش والأجهزة الأمنية. هذا التحييد يمنع النظام، أي نظام جمهوري من ابتلاع الدولة، وترئيس الرئيس مدى الحياة.

التجربة الرائدة الثانية: إلغاء وزارة الإعلام. دولة ديمقراطية جمهورية تتعاقب فيها أنظمة مختلفة، ليست بحاجة إلى إعلام رسمي، فيه صحف وتلفزيونات تطبل للنظام المقبل. وتزمر. وتصفر للنظام الراحل. لا بد من إلغاء وصاية مجلس الشورى (الإخواني) على الصحف الرسمية (القومية). وتحويلها إلى شركات مساهمة يشتري أسهمها المحررون. والإداريون فيها. وصغار المستثمرين المدنيين. وليس أبدا رجال «البزنس» من «فلول» أو إخوان.