إدارة العلاقات الأميركية مع مصر

TT

كانت عبارة «على أساس من الاحترام المتبادل» هي الوصف الذي وصف به البيت الأبيض تعهد الرئيس أوباما بالتعاون مع الرئيس المصري الذي أدى اليمين الدستورية مؤخرا، محمد مرسي، خلال اتصال هاتفي هنأه فيه عقب انتخابه الشهر الماضي. وقد كانت عبارة منتقاة بعناية، لا شك أنه كان لها صدى لدى مرسي وآخرين في جماعة الإخوان المسلمين، الذين طالما أغضبتهم علاقة التابع والمتبوع التي يرون أن الرئيس السابق حسني مبارك كان يكرسها مع الولايات المتحدة. إلا أن مرسي بأي حال من الأحوال ليس هو اللاعب الوحيد الذي ستتعامل معه الولايات المتحدة، فالقادة العسكريون، الذين تولوا تسيير شؤون البلاد منذ خلع مبارك في شهر فبراير (شباط) عام 2011، لن يسلموا مرسي سوى سلطة تنفيذية جزئية، وقد استعادوا في أيديهم السلطة التشريعية إثر حل أول برلمان منتخب انتخابا حرا في البلاد.

إذن كيف تتعامل الولايات المتحدة «على أساس من الاحترام المتبادل» مع هذه الحكومة المصرية الجديدة صعبة المراس وسط صراع دائر على السلطة بين رئيس إسلامي مقيد وقادة عسكريين مصممين على الاحتفاظ بالسلطة على الأقل إلى أن يصبح هناك دستور جديد يحمي المصالح العسكرية؟

إن إظهار الاحترام للمصريين سوف يعني إبداء الاستعداد لإعادة موازنة العلاقات المصرية الأميركية في اتجاه التجارة الحرة والاستثمار، اللذين تشعر مصر بحاجة ماسة إليهما من أجل توفير فرص عمل لسكانها الذين يتجاوز تعدادهم 80 مليون نسمة معظمهم من الشباب، وبعيدا عن تقديم حزمة معونة عسكرية ضخمة تفيد قلة قليلة نسبيا. ومن وجهة النظر المثالية، ينبغي أن تقيم واشنطن علاقة عسكرية ممتازة مع القاهرة، ولكن ليس على حساب مصالح المدنيين من الشعب. وهذا يعني صرف النظر عن إلغاء المساعدات العسكرية التي تقدم إلى مصر، وبدلا من ذلك، ينبغي أن تقرر الولايات المتحدة حجم المعونة التي ستقدمها سنويا، بناء على الاحتياجات الدفاعية الحقيقية لمصر ومدى سماح الجنرالات بإقامة ديمقراطية حقيقية.

وهناك طريقة أخرى لإظهار الاحترام للمصريين، وهي الدفاع عن القيم الديمقراطية بصورة أوضح مما فعلته إدارة الرئيس أوباما حتى الآن. فمنذ ما يزيد على العام والمسؤولون الأميركيون يلتزمون الصمت بصورة شبه تامة، بينما يقود القادة العسكريون المؤقتون عملية انتقال بعد نظام مبارك شابتها أخطاء كارثية من انتهاكات لحقوق الإنسان، وجدول زمني سياسي دائم التغير، وانهيار تام للاقتصاد، والتحرش بمنظمات المجتمع المدني، وتسييس النظام القضائي الذي كان فيما مضى محل احترام وتقدير. وبعد أن فرض الكونغرس شروطا على زيادة حجم المعونة العسكرية الأميركية في أواخر العام الماضي، قامت الإدارة بالتنازل عنها في الربيع الماضي، معربة عن ثقتها في حكام مصر من العسكر، وهي ثقة تبين في النهاية أنها كانت في غير محلها.

وقد اتخذت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون خطوة أولى جيدة لتغيير هذا الاتجاه الشهر الماضي - أثناء فترة عصيبة بدا فيها أن القادة العسكريين ينوون حرمان مرسي من الفوز في الانتخابات - حين قالت في حوار مع المذيع تشارلي روز إنه من «المحتم» أن يقوم القادة العسكريون في مصر «بتسليم السلطة إلى الفائز الشرعي». ولن نستطيع أبدا أن نعرف ذلك على وجه اليقين، ولكن ربما يكون مرسي مدينا لها بمنصبه (وإن كان عشرات الآلاف من المتظاهرين المصريين الغاضبين في ميدان التحرير قد ساعدوه أيضا). ورغم أنه لا يمكن توقع أن تتدخل كلينتون وأوباما في كل صغيرة وكبيرة في عملية الانتقال التي تجري في مصر، فمن الممكن بالطبع أن يكونا فعالين حينما يعبران عن رأيهما بصراحة، وينبغي أن يفعلا ذلك كثيرا. ولا بد أن تتضمن الأولويات حث العسكر على البقاء بعيدا عن عملية كتابة الدستور الجديد والسماح بعودة الحياة البرلمانية.

وإذا كان الاحترام المتبادل طريقا يسير في اتجاهين، فماذا عن تلقي بعض الاحترام من مصر في المقابل؟ لقد طرحت كلينتون بعض التوقعات خلال الحوارات الأخيرة، وهي أن يدافع مرسي عن حقوق جميع المصريين، بما في ذلك النساء والأقباط، وأن يشكل حكومة يحتل غير الإسلاميين مناصب بارزة فيها. وما يعنيه هذا هو أن الولايات المتحدة تنتظر من مصر أن تحترم بعض حقوق الإنسان العامة، وكذلك الاتفاقيات الدولية مثل معاهدة السلام مع إسرائيل، كجزء من علاقة جديدة فيما بينهما.

كما أن إقامة احترام متبادل تعني أيضا حل القضية القانونية المشينة التي لفقتها الحكومة بقيادة العسكر العام الماضي ضد المنظمات الأميركية غير الحكومية، وما زالت هذه القضية منظورة في ساحات المحاكم وتعوق كل المساعدات الاقتصادية والديمقراطية الأميركية لمصر. وبإمكان مرسي إصلاح هذا بسهولة ودون تدخل في شؤون القضاء، وذلك ببساطة عن طريق إصدار تعليمات للوزراء المعنيين بالموافقة على طلبات قيد المنظمات الأميركية، التي تقدمت بها منذ سنوات. لكن واشنطن لا بد أن تكون أكثر يقظة بكثير مما هي عليه حتى الآن إذا أرادت أن تقنع المصريين بأنها جادة في مبادلتهم الاحترام.

* مديرة مركز رفيق الحريري للشرق الأوسط التابع لمؤسسة «مجلس الأطلسي» والرئيسة المشاركة للمبادرة الأميركية «فريق العمل المعني بمصر».

* خدمة «واشنطن بوست»