جريمة في تمبكتو

TT

أعادت المشاهد التلفزيونية لمسلحي جماعة أنصار الدين التي تتبنى، كما يبدو، أفكار طالبان و«القاعدة» وهم يهدمون بحماس وفرح الأضرحة والمساجد التاريخية في مدينة تمبكتو التاريخية في شمال مالي، مشاهد «متطرفي» طالبان وهم يقصفون في التسعينات تماثيل باميان التاريخية في أفغانستان، متحدين العالم كله الذي وقف مشدوها وهو يشاهد أناسا يدمرون بأيديهم تاريخا وحضارة إنسانية وهم فرحون بجهلهم.

القصة معروفة في أفغانستان التي ما زالت تعاني آثار هذه الحركة المتطرفة التي جاءت في فترة صراع دولي وتجارب مختبرات لأجهزة استخبارات في بلد نسيه الجميع وتركوه في فقره بعد إخراج الاتحاد السوفياتي السابق منه، فأخرجت وحشا أشبه بفرانكشتاين احتاجت السيطرة عليه حربا وما زالت.

وكما في أفغانستان استغلت حركة طالبان التي تحالفت مع «القاعدة» حالة الفوضى التي حدثت بعد انهيار الحكومة الشيوعية هناك وصراعات أمراء الحرب من المجاهدين، حدث نفس الشيء في شمال مالي التي شهدت انقلابا عسكريا على الرئيس أحدث فوضى وترك فراغا في الشمال استغله الطوارق الذين كان يستخدم بعضهم القذافي في ليبيا للمطالبة باستقلال الشمال، وتحالفت معهم في البداية الجماعات المتطرفة التي تحمل أفكارا مماثلة لـ«القاعدة» وطالبان، ثم نبذتهم وبدأت تفرض أجندتها وسيطرتها على الشمال، وسيطرت على المدينة التاريخية التي لعبت دورا إسلاميا هاما وتعود مساجدها التاريخية إلى القرن الـ15.

من يمول ويدرب ويسلح هؤلاء؟ سؤال مفتوح يحتاج إلى من يجيب عليه.. لكن المؤكد أن هذه الحركات أشبه بالجراد الذي قد يتمكن في ظرف ما من اجتياح أرض ما ولا يتركها سوى جرداء وخراب لينتقل إلى منطقة أخرى يشيع فيها خرابا.

والمثير للقلق هو أن هذا يحدث في الجوار العربي، فمالي تجاور دولا مغاربية، كما أن هناك حزاما من هذه الجماعات يتشكل إما في دول عربية تشهد تغييرات وعدم استقرار سياسي، أو في الجوار العربي، ليضيف بعدا مقلقا جديدا إلى مشاكل المنطقة.

ولننظر إلى الخريطة وكيف حدث تبادل «المنافع الإرهابية» بين حركة الشباب في الصومال والحركات المتطرفة، وعلى رأسها «القاعدة» في جنوب اليمن، إلى الدرجة التي استدعت من الجيش اليمني شن حرب بمساعدة دولية لاستعادة المدن المسروقة في الجنوب. والآن توسعت البؤر المتطرفة على الخريطة، فأصبح هناك شمال مالي، بينما تعاني نيجيريا وهي ليست بعيدة عن العالم العربي من جماعة بوكو حرام، التي تشن هي الأخرى حربا إرهابية لتطبيق أفكارها المتطرفة، وتنشط جماعات متطرفة في منطقة الساحل الأفريقي على أطراف حدود الدول المغاربية بشكل خاص، مستغلة الخصومات السياسية وخلافات الحدود الأزلية التي لم تجد حلا، وعدم قدرة الاتحاد المغاربي على التنسيق وانتهاج سياسة تعاون موحدة في مكافحة الإرهاب، كما يبدو أن جماعات متطرفة استغلت حالة الفراغ الأمني في سيناء المصرية لتنشط من هناك.

وحسنا فعلت المتحدثة باسم المحكمة الجنائية الدولية بتهديد جماعة أنصار الدين في شمال مالي بالملاحقة بتهمة ارتكاب جرائم حرب بسبب تدميرهم المساجد التاريخية والأضرحة الإسلامية هناك، لكن هذا لا يكفي، فهذه الجماعات تحكمها آيديولوجية مريضة، ويجب أن يكون هناك عمل دولي وإقليمي منسق لملاحقتهم على غرار ما يحدث الآن في اليمن. والأفضل أن تضطلع دول الاتحاد المغاربي القادرة منه بمسؤولياتها في التنسيق وتقاسم المسؤوليات لمحاصرة هذه الجماعات التي ستكون خطرا عليها مستقبلا، ومصدرا للمشاكل لو تركت هكذا، فلا نريد أن نشهد يوما تصور فيه الكاميرات مجموعات مثل هذه تهدم معالم تاريخية في عاصمة عربية.