المَفزع الأردني

TT

بعد احتلال الكويت عاد إلى الأردن عشرات الآلاف من الفلسطينيين والأردنيين. وبعد احتلال العراق جاء إلى الأردن عشرات الآلاف من العراقيين وذهب عدد مماثل إلى سوريا. وتوجه عدد قليل إلى لبنان. وبعد اشتعال ليبيا وسوريا ذهبت أعداد غفيرة من البلدين إلى الأردن، ونزح البعض إلى لبنان.

ما هي خلاصة الصورة؟ خلاصتها أن البلدين الأصغر في المشرق يتحملان أكبر عمليات نزوح منذ الهجرة الفلسطينية. وقد تضمنت الهجرة إلى الأردن أعدادا من الميسورين العراقيين والليبيين، ولكن الأكثرية الكبرى لم تكن كذلك. ويعني هذا أن الأردن خصوصا سوف ينوء تحت الحمل الكبير، ماديا وأمنيا واجتماعيا. فالازدهار الذي عرفه في السنوات الأخيرة لا يعادل أو يوازي الأحمال البشرية المرافقة.

إضافة إلى المخيمات البائسة الموجودة منذ النكبة، صارت في الأردن ولبنان مخيمات غير معلنة. وتقوم في لبنان حملة تطالب بأن تمنح الأم اللبنانية الجنسية لأبنائها. وهذا حق طبيعي في بلد مثل أميركا أو بريطانيا. لكن ماذا سيحدث في بلد مساحته 10 آلاف كيلومتر مربع وتم فيه تجنيس 150 ألف عائلة في عهد إميل لحود وحده. وفي ظل حكومة واحدة. وهذا البلد يضم أعدادا هائلة نسبيا من جنسيات عربية وغير عربية.

ناهيك بواقع أننا أصبحنا أمة نازحين وخيام مؤقتة أو دائمة، فإننا نلقي الحمل الأكبر على أضعف الدول. وكانت سوريا تتحمل جزءا كبيرا من لاجئي العراق فأصبح بعض أهلها مشردا في كل الاتجاهات. وقد غادر نحو 40 ألف عامل سوري بيروت والضاحية الجنوبية خوفا من الانتقام، بعد خطف باص يحمل زوارا لبنانيين شيعة في حلب.

كنت أقول ما بين المزاح والألم، إذا كنتم تصرون على تدمير لبنان فتفضلوا، لكن اتركوا لنا بلادا عربية نهاجر إليها، فمن قال لكم إننا نستطيب التشرد في بلاد الآخرين. لكنهم لن يتركوا لكم هذا الترف. فكل زعيم يريد أن يحمل بلده معه وأن يرمي الجميع في التراب. كلفت إزاحة القذافي 75 ألف قتيل، أما عدد الجرحى فاسألوا مستشفيات عمان.

ليس النازحون مشكلة الأردن الوحيدة، لكنها بالتأكيد مشكلته الإنسانية الكبرى. ولا بد من تفكير عربي عام في دعم دوره ومؤسساته لكي لا تفيض به المشاكل هو أيضا ويصبح العرب مشردين بلا أمكنة يذهبون إليها. أما لبنان فنأمل له السلامة لا أكثر، بعدما قال الرئيس ميشال سليمان، إذا احترق بيت جاري فكيف يمكن ألا أخاف.