كارتر يمزق توت

TT

في 11 نوفمبر (تشرين الثاني) 1925 أي بعد اكتشاف مقبرة الملك توت عنخ آمون بنحو ثلاثة أعوام؛ قام هيوارد كارتر، مكتشف المقبرة، بالكشف لأول مرة عن مومياء الملك ودراستها، ومعه العالم الإنجليزي دوغلاس ديري وصالح بك حمدي من جامعة الإسكندرية، وقد اتضح لهم أن الزيوت وأصماغ الراتنجات قد صبت على جسد الملك كله أثناء عملية التحنيط والتكفين بالكتان؛ ونتيجة لذلك التصق القناع الذهبي بالرأس والصدر، وكذلك التصقت المومياء بالتابوت الذهبي الداخلي. وقام كارتر بوضع المومياء في الشمس على أمل أن تذيب حرارتها الزيوت والمواد اللزجة، إلا أن محاولته هذه لم تفلح. بعدها أمر بنقل المومياء إلى الممر الخاص بمقبرة الملك سيتي الثاني بحجة عمل الاختبارات الأخرى اللازمة لدراسة المومياء، وقد وجد أن الكفن الكتاني الموجود على المومياء سريع التحلل ومطلي بطبقة من شمع البارافين؛ قام كارتر بقطعها بواسطة سكين، وقام بإزالة الأكفان الخارجية الفاسدة.. وطبقا لما قاله العالم الكيميائي ألفريد لوكاس، فقد تم اختبار المومياء داخل التابوت.

وجد الفرعون الصغير راقدا في تابوته مرتديا صندله الذهبي في قدميه؛ وأغطية ذهبية لأصابع الأيدي والأقدام، بالإضافة إلى مائة وخمسين تميمة نفيسة من ذهب خالص وأحجار كريمة وضعت على مومياء الملك في طبقات الكفن الكتاني.

كان فريق العمل المصاحب لهيوارد كارتر قد انتهى من تقطيع أربطة المومياء بحيث يستطيعون أن يخرجوها من التابوت وذلك باستخدام سكاكين حادة ساخنة، وأيضا من أجل نزع القناع الفريد عن وجه وصدر المومياء؛ وللأسف الشديد، كان من نتيجة استخدام السكاكين والعنف البالغ والقسوة في التعامل مع مومياء الفرعون الذهبي أن تم فصل الرأس عن الجسد وفصل تجويف الحوض عن الجذع وفصل الذراعين والساقين ونزع اليدين والقدمين وتدمير أضلع الملك.

مزق كارتر ورفاقه الجسد الصغير من أجل نزع ما عليه من كنوز أثرية، ولم يذكروا شيئا عن جريمتهم أو فكروا في تسجيل ما فعلوه بمومياء الملك، بل وضعوا الجسد المحطم في صندوق من الخشب به رمال - بعد أن كان موسدا في تابوت من الذهب الخالص يزن مائة وأحد عشر كيلوغراما، ثم وضعوه داخل التابوت الحجري الكبير الموجود بالمقبرة. وتحجج كارتر بأنه لن ينقل مومياء الملك؛ بل سيبقيه في مقبرته، لأن تلك هي رغبة الملك ووصيته!! أي كلام لخداع الناس وإخفاء معالم جريمة بشعة لم يتم اكتشافها إلا عام 1968 عندما تقرر فتح التابوت وعمل فحص للمومياء بأشعة «X». وقد اتضح للفريق أن إصابات التحنيط ظاهرة ولا تتعدى فتحة صغيرة من منطقة السرة حتى عظمة مفصل الساق اليسرى لإخراج الأحشاء وتحنيطها وحفظها في الأواني الكانوبية، أما ذراعا الملك الشاب فمثنيتان عند الكوع ومتقاطعتان على الصدر، والذراع اليسرى فوق اليمنى، والرأس حليق ومغطى بغطاء سميك أبيض ثم بغطاء مزين بالخرز وبخراطيش آتون.

المدهش أن هيوارد كارتر ورفاقه وكل من اشترك معه في جريمته قد مات وهلك، وستظل مومياء الملك توت عنخ آمون باقية شاهدة على جريمتهم في حق إنسان مات قبل أن يولدوا بثلاثة آلاف وثلاثمائة عام. أتذكر الجراح المصري القديم الذي شهدت له كل الحضارات قديما وحديثا بالمهارة والعبقرية النادرة في إجراء الجراحات الدقيقة وتحنيط الأجساد لتبقى بحالتها لآلاف لا نعلمها من السنين، ثم أتذكر الأثري هيوارد كارتر ورفاقه من الأطباء والجراحين وأنهم لم يجدوا سوى السكاكين الملتهبة ليتعاملوا بها مع مومياء الملك توت في القرن العشرين الميلادي، وأتساءل: هل نحن فعلا تقدمنا أم تأخرنا؟!