الطاقة البديلة!

TT

وقف الابن الأكبر لصاحب الدار، وهو شاب في مقتبل العشرينات من عمره، برفقة صديقيه يبلغ أباه ويستأذنه في الذهاب لمكة فجرا لأداء العمرة مع صديقيه، فعلق والده: «ولماذا لا تذهبون في وقت أبكر من ذلك؟ أخشى عليكم من الإرهاق»، فضحك الولد وقال: لا تخف يا أبي سنسهر ونشرب من مشروبات الطاقة لتبقينا نشطين، وقال الأب معلقا: وكتاب الدعاء.. هل معكم؟ أجاب الابن أنزلته بكامله على جهاز الآيباد معي وكذلك أنزلت القرآن الكريم كاملا وسيكون معي بالحرم. استغرب الأب من جواب ابنه وقال: ولكن يا بني أيجوز ذلك؟ فقال الابن بلغة واثقة: لقد تأكدت بنفسي من ذلك وراجعت الأمر على موقع «غوغل» البحثي وكانت الإجابات إيجابية في أكثر من موقع، بل أضيف لك يا أبي أنني «أنزلت» على جهازي الآيباد أكثر من «تطبيق» عن قواعد الحج والعمرة تغطي كافة الاحتمالات وتجيب عن كافة الأسئلة لتكون معي خلال رحلتي هذه أو مستقبلا.

وطبعا كان الاستماع لهذا الحديث بالنسبة للحاضرين هو بمثابة من يستمعون إلى زوار من كوكب آخر، فاللغة والأسلوب والمفردات مختلفة تماما من السائد العام والطرح النمطي الخشبي والحجري. جيل الشباب اليوم هو الشريحة العمرية الأهم والأكبر في العالم العربي، وستكون بالتدريج الأشد تأثيرا، وهي تشكل اليوم وحدها «فجوة» ثقافية بين العرب القديمة والعرب الجديدة وهذا الشيء يمكن لمسه بشكل واضح في النمط الاستهلاكي والتجاري والاقتصادي، فالشباب اليوم «فرضوا» على الأسواق إعادة النظر في نوعية المأكولات المقدمة والأزياء المعروضة وخدمات الاتصالات والسيارات والسفر والسياحة والمنتجات المصرفية بشتى أشكالها وأنواعها وغيرها طبعا من المنتجات والسلع والخدمات.

الشباب يشكلون اليوم عالما موازيا آخر، كان لفترة قريبة افتراضيا يعيش في خيال شبكة الإنترنت وعلى مواقعها ولكن تحول الآن بالتدريج إلى وجود حقيقي على أرض الواقع من خلال أفكار تجارية وأعمال تطوعية وأهداف اجتماعية، فهناك جيل جديد مشتعل بالحياة وروح الابتكار تملؤه الحيوية، وآفاق الأمل هي كل ما يراه، ولكن هناك المتخصصين في طب المسالك السياسية الذين لا يرون في هذه المجاميع سوى المحاذير والأخطار فيبدأون بتكميمهم والحد من كل ما يمكن أن يحلموا به، ويضعون العراقيل والقيود في طريقهم فتغتال الأحلام بسهولة.

ليس غريبا الارتفاع المهول في نسب استهلاك المخدرات ولا الارتفاع في نسب البطالة وتفشي الجريمة ولا زيادة حالات التعبير عن العنف والغضب والتمرد بمختلف أشكاله لأنها جميعا وسائل الإعراب الصريح عن القنوط واليأس، وبالتالي لم يعد لديه شيء يخسره بعد أن فقد كل ما كان يأمل فيه.

لم يعد من المجدي الاعتقاد بأن الرياضة، وتحديدا كرة القدم، هي «نهاية» الشباب، اشغلوهم بها لتمتصوا طاقتهم، فهذه نظرة قاصرة جدا، ولا أعتقد أن الشباب اليوم جزء أساسي من المنظومة الاجتماعية للشعوب، وبالتالي لا بد من اعتبارهم جزءا مكونا أساسيا من الخطط والسياسات والأنظمة والتشريعات.

ليس هناك فرحة أجمل من تخرج الأبناء من مشوارهم الأكاديمي ونظرة الأمل في أعينهم وهم يتواعدون مع حلم الغد، وليس هناك أبشع من خيبة الأمل وتحطم الأحلام على صخور الواقع فتكون مشاهد الانكسار المؤلم والهزيمة المخزية وهي واقع بات متكررا وبكثرة على الساحة العربية.

الشباب العربي سيجبرنا على تغيير التعليم والإعلام والتجارة والاقتصاد والإسكان والسياحة والخدمات العامة، لأنه سيفرض الحلول البديلة بالتدريج ويسخر التقنية والتواصل الذي نجح في تطبيقه على أفكار بسيطة ومحددة لتصبح واقعا أعم. يتحدثون عن الهواء والشمس والغاز على أنها مصادر للطاقة البديلة، وأنا على يقين أن الشباب هو الطاقة البديلة الحقيقية القادمة.

[email protected]