نهاية «زمباوي»

TT

في زحمة الأحداث المصرية حصل حدث حزين ضاع في الضجيج، وهو وفاة الفنان المصري الكوميدي، والشامل، يوسف داود.

يوسف داود توفي في يوم إعلان فوز مرسي، وداود فنان عرف بشخصيته المميزة في كل أدواره. وأكثر ما ميزه، كلمسة خاصة، هو جلجلة ضحكته وطبقة صوته العميقة.

بالعودة إلى مرسي، فقد كان فوزه بالنسبة للأقباط، الذين ينتمي إليهم الفنان يوسف داود، يعتبر حدثا ليس بالسار، ومن حقهم أن يختاروا المرشح الذي يلبي أحلامهم ويحمي وجودهم وحقوقهم، وكان هذا المرشح بالنسبة لهم هو أحمد شفيق، ليس الأقباط وحدهم، بل غالبية أهل الفن كانوا ضد مرسي والإخوان المسلمين، وتوزعوا بين معسكر الثوار، الذي صوت إما لحمدين صباحي أو أبو الفتوح، أو حتى عمرو موسى، ثم في جولة الإعادة كان غالبية الفنانين مقاطعين أو مبطلين لأصواتهم، وبين معسكر انحاز لكفة أحمد شفيق.

فاز مرسي، وفتحت الملفات المغلقة، الداخلية والخارجية، والمطالب المعيشية الصعبة، للدرجة التي حولت أسوار القصر الجمهوري إلى سور أكشاك للعرائض، للدرجة التي أجبرت الناطق باسم الرئاسة أن يعلن عن أن الرئيس مرسي قرر إنشاء جهاز خاص لمتابعة شكاوى المواطنين، أي: جهاز بيروقراطي آخر يضاف لتراث البيروقراطية المصرية العريق!

مرسي رفع سقف التوقعات للناس وأطلق الوعود، منها الداخلي والخدمي، ومنها الخارجي الذي يتعلق بالأحلام القومية، بل وحتى أحلام الجماعات الإسلامية، لكنه نزل الآن من سماء الدعاية الانتخابية إلى أرض الواقع العملي، لذلك خرج من موقع الرئاسة المصرية، في غضون بضعة أيام، كثير من «التوضيحات» والتراجعات، من وعد إطلاق زعيم الجماعة الإسلامية عمر عبد الرحمن، إلى الحوار مع وكالة «فارس» الإيرانية، إلى قلادة راشد الغنوشي، الزعيم الأصولي التونسي، وغير ذلك.

حدثت بعض الأمور المخيفة، على الرغم من أننا في الأيام الأولى لرئاسة مرسي، منها حادثة الشاب القتيل في السويس، الذي قتله مجموعة، يدعون الحسبة والغيرة، وهو يسير مع خطيبته، ومنها حوادث التهجم اللفظي من قبل البعض على السيدات غير المتقيدات بشروط الجمعيات الإسلامية في الزي، حتى ولو كانت السيدات اللواتي يهاجمن مرتديات للحجاب، كأغلب نسوة مصر، ومن ذلك سعي مجلس الشورى المصري، الذي يسيطر عليه «الإخوان»، لتنصيب من يرضون عنهم في الصحف القومية.

ناهيك عن عشرات التصريحات سواء لرموز «الإخوان» أو السلفيين أو خطبائهم، التي تشي كلها ليس بفوز عادي لمرشح عادي لمدة محددة، بل بـ«انقلاب» بالمعنى الاجتماعي والثقافي، وبأن عصر جند الله قد بدأ.

كل هذه المؤشرات لا تبشر بخير، وحتى الرئيس المنتخب مرسي سيعاني منها، فهو بالطبع لا يسره أن تعكر مثل هذه الأمور صفو بدايته الرئاسية، لكن حقا فوز مرسي أمر يتجاوزه هو شخصيا، إلى شعور جماعات وتيارات ثقافية بالفوز، ليس بالمعنى الانتخابي فقط، بل بمعنى أخذ تفويض لإعادة صياغة الأمة المصرية، على الأقل هذا شعور كثيرين منهم.

في الخاتمة أتذكر جملة قالها يوسف داود في مسرحية «الزعيم» الشهيرة لعادل إمام، حيث كان داود يمثل دور «زمباوي»، وهو من موظفي الرئيس الكبار، وحينما مات الزعيم فجأة حار سكرتير الرئيس (الممثل أحمد راتب) في كيفية إخفاء خبر موت الزعيم عن الجماهير، فاستغرب زمباوي ذلك، وقال: «إيه يعني لما نخبر الناس انو مات؟!» فرد راتب بدهشة: «لما الناس تدري انو الزعيم مات، واحنا لسه ماتصرفناش، حيقتلونا ويقطعونا ويسحلونا كمان»! فظهر الخوف على ملامح «زمباوي»، وقال بطريقته الصوتية المميزة: «الله يرحمك يامّه، كانت دايما بتقولي: نهايتك سودا يا زمباوي»!

نرجو أن تكذب نبوءة والدة زمباوي، وحمى الله مصر الحضارة والثقافة والريادة.

[email protected]