عفوا

TT

يردد سائق التاكسي في الطريق إلى المطار، بعفوية واضحة، بضعة تعابير إنجليزية. والرسائل النصية من مختار القرية حول الوفيات والأعراس تأتيني بالإنجليزية أيضا. وعلى المرء أن يتناول العشاء في ناد قديم مثل «الاروكلوب» في حي السراسقة، لكي يتأكد من أن الفرنسية لم تنقرض تماما من «اللغا اللبنانيي» التي كانت طوال قرنين خليطا من العربية والفرنسية. هكذا كان الحال في مصر أيضا. وحتى في تركيا، على الرغم من تاريخها الإمبراطوري، فقد اكتشف الأتراك بعد أفول اللغة الفرنسية كلغة عالمية، من أقصى الأرض إلى أقصاها، أن لغتهم قد طعمت بأكثر من 5 آلاف كلمة فرنسية.

بطاقات الأعراس في لبنان صارت تكتب بلغتين، العربية والإنجليزية، بدل الفرنسية من قبل. ويافطات الإعلانات، حتى المنتجات الفرنسية كالعطور، صارت أيضا بالإنجليزية. وفي المقاهي والمطاعم والمجتمعات صارت الإنجليزية لغة الإضافات والمصطلحات.

كان الفرنسيون يتباهون حتى أواسط القرن الماضي بأن بعض اللبنانيين يتحدثون الفرنسية أفضل منهم. وكان للفرنسية في قلب بيروت، وليس في باريس، شعراء وكتاب وروائيون فاقت شهرة بعضهم شهرة الفرنسيين، مثل جورج شحادة. ولا يعتبر أمين معلوف من هذا الرعيل، فقد برز كروائي في فرنسا أواخر السبعينات، في الوقت الذي كانت «معاقل» الفرنسية في المشرق تغلق نصف أو كل أبوابها: الإسكندرية وأزمير وبيروت. وقد امتدت حياتها في لبنان بسبب الجامعة اليسوعية والمعاهد الكبرى والمنهاج التعليمي الرسمي نفسه.

صحف الإسكندرية الأولى صدرت بالفرنسية. وكان الأخوان بشارة وسليم تقلا أول من أصدر «الأهرام» هناك، ولكن كصحيفة اقتصادية. وفي بيروت الآن صحيفة واحدة بالفرنسية ومجلة أسبوعية، فيما كان العدد حتى السبعينات نحو ثلاث صحف وثلاث مجلات. وقد أغلقت مؤخرا مجلة «ريفو دو ليبان» التي لم تنقطع عن الصدور منذ تأسيسها أواخر العشرينات. كذلك أغلقت أبوابها دور السينما التي كانت تعرض فقط الأفلام الفرنسية.

ضعفت الدولة فضعف وجودها. زال عز الفرنسية وحلت مكانها الإنجليزية كلغة اقتصادية وعسكرية. ولما وهنت بريطانيا حلت محلها أميركا فازدادت الإنجليزية انتشارا. وساهمت هوليوود إلى حد بعيد في تعميم التعابير والمصطلحات. ورافق ذلك كله الحياة البسيطة والخفيفة التي نشرها الأميركيون واجتذبت شبان العالم.

ولا يزال المصريون يستخدمون كلمات مثل «جمبري» و«تورتة» و«جيلاتي» من أيام كانت الإيطالية سائدة عندهم إلى أن طردتها الفرنسية. وظل اسم «جروبي» إلى الآن من مقهى يحمل اسم صاحبه في الإسكندرية، إلى أشهر مقهى في القاهرة، بملكية أخرى.