التوسعة الكبرى للمسجد النبوي.. والملك المحب لـ«معالي الأمور»

TT

أمر العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز بـ«توسعة كبرى» للحرم النبوي في المدينة المنورة.

«خادم الحرمين الشريفين».. هذا لقب شريف يستمد شرفه وقيمته من «الخدمة» للمسجد الحرام، والمسجد النبوي.. وهو لقب يحمله الملك السعودي الذي ينهض بهذه المسؤولية التي لا نظير لها في العالم، من حيث إنه لا نظير - قط - لهذين المسجدين العظيمين على كوكبنا هذا. فليس ثمة مسجد حرام، ومسجد نبوي إلا ها هنا في هذه البلاد.

وأصدق ما يكون الشرف: أن يكون «مضمون» اللقب عملا تطبيقيا ناجزا مستمرا على أرض الواقع.. والتوسعة الجديدة للمسجد النبوي برهان قاطع ساطع على تناغم اللقب مع مقتضاه: التطبيقي العملي.

إن هذه التوسعة: امتداد أمين ومؤمن لما بدأه سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أوائل القرن الهجري الأول، حيث بنى مسجده الشريف في ذات الأرض والمكان الذي بركت فيه ناقته في وسط المدينة، وهي قطعة أرض اشتراها النبي من أصحابها ليبني عليها مسجده الشريف المبارك، وهو المسجد الذي شهد تخرج ألوف العلماء والقادة الذين تخرجوا على يد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كما شهد ورود السنة النبوية: قولا وفعلا وتقريرا.

لقد تعاقب على توسعة المسجد النبوي حكام مسلمون كثر: من عمر بن الخطاب، إلى عثمان بن عفان، إلى الدولة الأموية، إلى الدولة العباسية، إلى المماليك، إلى العثمانيين.

ثم شهد الحرمان الشريفان أعظم التوسعات في العهد السعودي، ولا سيما في عهد الملك عبد العزيز، ومن جاء بعده من أبنائه الملوك، وهي رسالة جليلة اضطلع بها حكام آل سعود: بإيمان واعتزاز يصدقهما الفعل والعمل. ولعل مما يلخص ذلك كله كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى حجاج عام 2010، إذ قال: «منذ أن منّ الله على المملكة العربية السعودية وشرفها بخدمة الحرمين الشريفين وهي تستشعر عظمة الأمانة، وتقدير حجم المسؤولية، وأهمية الاضطلاع بها، بما يرضي الله عز وجل، محتسبة عند الله سبحانه وتعالى خدمة الحجاج والعمار والزوار لوجهه الكريم، ومن فيض فضله العظيم، ولقد يسر لنا بعونه وتوفيقه القيام بتيسير السبل للحجيج والعمل على توفير راحتهم ورعايتهم وتقديم جميع الخدمات لهم. ونحن بعون الله وتوفيقه ماضون في ذلك بما مكننا سبحانه من قدرة ومقدرة».

ومسؤولية خدمة الحرمين الشريفين لا تزال تتصاعد وتتأصل في ضمير آل سعود وإرادتهم حتى غدت «نصا دستوريا» واضحا ومحددا في النظام الأساسي للحكم، وهو نص يقول: «تقوم الدولة بإعمار الحرمين الشريفين وخدمتهما وتوفير الأمن والرعاية لقاصديهما بما يمكن من أداء الحج والعمرة والزيارة بيسر وطمأنينة».

إن من خصائص الملك عبد الله بن عبد العزيز أنه شغوف بـ«معالي الأمور» وكبارها، وبهذه الهمة العالية: أقدم على توسعة المسجد الحرام من قبل، وعلى التوسعة التاريخية الفريدة للمسعى، وهي توسعة هيأت للحجاج والعمار مزيدا من الراحة واليسر والعافية، كما أمر بتيسير سبل رمي الجمرات من خلال ترتيبات جغرافية وبنائية ملؤها النظام والانسياب والارتياح.

ثم على مشارف رمضان عام 1433هـ أمر بتوسعة المسجد النبوي الشريف: توسعة كبرى تتحرى الراحة التامة لمحبي النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وزوار مسجده.

ذلك كله دليل على «الهمة العالية» لهذا الرجل الكبير المؤمن عبد الله بن عبد العزيز آل سعود.

إن للمسجد النبوي جلاله ومكانته العلية.. ففي هذا المسجد قال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم:

أ) «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام. والمسجد الأقصى. ومسجدي هذا». فمشروع - بنص هذا الحديث - شد الرحال إلى المسجد النبوي.

ب) «صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة في ما سواه إلا المسجد الحرام».

ج) «ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ومنبري على حوضي».

إن عمران المساجد العادية برهان مبين على حقيقة الإيمان وصدقه بنص الآية: «إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ».. فكيف بمن يعمر المسجد النبوي الشريف الذي تقدمت الأحاديث بفضله؟!

والعمران نوعان: عمران بالصلاة فيه.. وعمران البناء والتيسيرات المختلفة للمصلين.

ويجمل - ها هنا - إيراد الصورة التي كان عليها المسجد النبوي: بادئ ذي بدء.. فقد روى البخاري ومسلم وأبو داود عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن المسجد كان على عهد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - مبنيا باللبن (الطوب النيئ)، وسقفه الجريد، وعمده خشب النخل، فلم يزد فيه أبو بكر شيئا، وزاد فيه عمر، وبناه على بنيانه في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - باللبن والجريد، وأعاد عمده من خشب النخل.. ثم غيره عثمان فزاد فيه زيادة كثيرة، وبنى جداره بالحجارة المنقوشة، والقصة (الجص)، وجعل عمده من حجارة منقوشة، وسقفه الساج (نوع من الخشب الهندي).

والاستقراء يبين: أن التوسعات للمسجد النبوي في العهد السعودي تفوق عشرات المرات جميع التوسعات في التاريخ الإسلامي كله: نظرا لوفرة الإمكانات، وصدق تحمل المسؤولية، وتكاثر الزوار.

والتوسعات السعودية تميزت بجمال العمران، ورواء البنيان، ورقي ونفاسة مواد البناء، وتكامل الخدمات وتناغمها، وعبقرية الهندسة المعمارية ذات الصبغة الإسلامية التي تجمع بين التجريد - المستمد من عقيدة التوحيد - وبين الفنون التشكيلية للهندسة المعمارية.

وبموجب هذه الحقائق: انعقد اتفاق مسلمي العالم على الشهادة لآل سعود بالمهارة في خدمة الحرمين الشريفين.. نعم قد يختلف الناس مع النظام السعودي في هذه القضية أو تلك - أمس أو اليوم أو غدا - هذا صحيح ومفهوم، بيد أنه من الصحيح أيضا: انعقاد اتفاق المسلمين - في العالم - على حقيقة عبادية أخلاقية عمرانية لا يجوز الاختلاف فيها، وهي «نجاح» آل سعود وعراقتهم ومصداقيتهم وتفانيهم في خدمة بيت الله الحرام، ومسجد النبي الأعظم - صلى الله عليه وآله وسلم.

وآل سعود: ما لهم لا يتحملون هذه المسؤولية الشريفة وهم يعلمون:

أ) أن عظمة الخدمة تستمد من عظمة المخدوم. ولما كان ليس على كوكب الأرض مكان أعظم ولا أشرف من الحرمين الشريفين، فإنه ليس هناك في هذا العالم خدمة أبر ولا أعظم ولا أقرب إلى الله من خدمة الحرمين الشريفين؟!

ب) ما لهم لا يتحملون هذه المسؤولية وهم يعلمون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد بشر فقال: «من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاة بيضها بنى الله له بيتا في الجنة».. (والمفحص هو المكان الذي يسع بيضة القطاة).. فكيف بمن يوسع أقدس المساجد وأحبها إلى الله عز وجل، وهما الحرمان الشريفان اللذان يتسعان لملايين المسلمين، وليس لبيضة قطاة فحسب؟!

ج) وما لهم لا ينهضون بهذه المسؤولية وهم يعلمون: أن الأعمال الصالحة تتفاوت ما بين السماء والأرض، وأن ذوي الهمم العالية يرومون «نفائس الكسب والعمل»: كما فعل الملك عبد الله بن عبد العزيز وهو يأمر بتوسعة المسجد النبوي؟!