هانت!

TT

ليست هذه الأيام بالسارة والسهلة على الرئيس السوري بشار الأسد الذي يفقد عشرات الكيلومترات من مساحة سوريا لصالح الثورة والجيش الحر، ذلك الكيان العسكري الذي تم تشكيله من الفرقاء الذين قرروا الانشقاق عن الجيش النظامي الذي استشرس على شعبه فقط وتحول إلى آلة قتل مجنونة ومسعورة. واليوم يسمع العالم وبشار الأسد نفسه عن انشقاق شخصية يطلق عليها بالعامية السورية «من عظام الرقبة»، أي من الدوائر المقربة جدا، وهو مناف طلاس قائد الحرس الجمهوري، وصديق الطفولة، وإحدى أكثر الشخصيات قربا من الرئيس على المستوى الإنساني والاجتماعي والمهني.

مناف طلاس كان تحت الإقامة الجبرية في منزله بالمزة لفترة غير بسيطة نظرا لعدم موافقته واقتناعه بالأسلوب الذي كانت تدار به الأمور، ولجوء النظام إلى أسلوب قمعي ودموي مجنون. وزاد من غضب مناف ما حدث لمدينته وأهلها في الرستن، والمجازر التي حصلت فيها. وبعدها خرج مناف طلاس من سوريا متجها إلى باريس في زيارة وصفت بأنها خاصة، ولكن بحسب ما أفصح عنه وقتها الدكتور فواز الأخرس، حمو بشار الأسد، لبعض ضيوفه على مائدة غداء بلندن، فإن مناف طلاس كان قد انشق. وغير خاف أيضا أن ابن مصطفى طلاس الآخر، رجل الأعمال المعروف فراس طلاس، كان قد انشق هو أيضا من قبل، وكان يسهم كما تم تبادله إعلاميا في تمويل الثورة.

الجيش النظامي يتآكل بسرعة البرق، ولم يعد قادرا فعليا وعمليا على تمويل الجنود في مواقع مختلفة إلا عن طريق الطائرات المروحية، وذلك لأن الجيش الحر تمكن من تحرير العديد من المناطق وقطع طرق الإمداد عن عناصر الجيش النظامي، وأقام بالتالي «مناطق حرة» كما كان مطلوبا من الأمم المتحدة أن تعمل. ولكن طبعا يبقى الدعم والغطاء الجوي والحظر الجوي على طائرات نظام الأسد مطلوبا وبشدة. كل ذلك أدى إلى انهيار هائل في معنويات أفراد الجيش النظامي، وأصبحت أعداد المنشقين بالمئات وبشكل يومي ومن كل القطاعات وجميع الرتب العسكرية في ما يشبه التحول الكبير، وتأثير قطع الدومينو الكبيرة. وكذلك استضافت فرنسا برئيسها الجديد مؤتمر أصدقاء سوريا، وإذا كان الأسد قد عبر عن سعادته لهزيمة ساركوزي لأنه اعتبره رأس المؤامرة على سوريا، فإنه أتاه رئيس جديد اسمه هولاند هو أشد تطرفا وقناعة بوجوب زوال حكم الأسد، ولا يفوت أي فرصة إعلامية أو لقاء سياسيا إلا ويقول ذلك بشكل واضح جدا.

ها هو المجتمع الدولي اليوم بغالبيته الكاسحة يعترف وبصوت واحد بأنه لا بد من إزالة نظام الأسد، ويحذر من أن البديل سيكون حربا أهلية طويلة وشرسة، وتغييرا للخارطة السورية، في إشارة للتقسيم العرقي والطائفي المتوقع في حال استمرار الأسد في الحكم. لا أحد يستحق «ثمنا» مثل كل ذلك، لا أحد يستحق تضحية بهذا الحجم، وكل ذلك يؤكد أن رحيله هو مسألة أخلاقية مطلوبة، وبقاءه عار دولي ولا يمكن قبوله ولا السماح به؛ فهو رجل أخل بوعوده، وكذب على بلده والعالم، وقتل أهله وشعبه، وبعد أكثر من سنة ونصف السنة من الإنكار واتهام الآخرين ها هو يقر في حديث صحافي مع جريدة تركية بأنه نادم على أخطاء جيشه والعنف الزائد الذي تم استخدامه في حق الثوار المتظاهرين. رجل فقد احترام العالم له وفقد مصداقيته وفقد شرعيته لا يمكن الوثوق في أي شيء يقوله أو يعد به.

بشار الأسد ومنظومة حكمه يجب أن يتحولا إلى شيء من الماضي، ويجب أن يُسمح للسوريين ببناء بلادهم بعيدا عن الذل والخوف والمهانة والفساد، وهي الشعارات الحقيقية التي رفعت طوال أربعة عقود من حكم تسلطي أوصل البلاد للحال الذي وصلت إليه الآن. العالم اليوم يدرك أنه، أخلاقيا، غير قادر على تبرير ما يحدث في سوريا ولا إطالة أمد حكم الأسد أكثر. الساعة الرملية أوشكت حبوبها على الإعلان عن نهاية حقبة الأسد.. هانت!

[email protected]