لا أحد يسمع!

TT

أحيانا أسأل نفسي: هل هناك جدوى حقيقية من الاستمرار في الكتابة والتحليل السياسي وتقديم حوارات تلفزيونية؟ هل هناك فائدة من طرح المعلومات الدقيقة غير الملونة بالأهواء السياسية، وتقديم كافة الأفكار الموضوعية وترك الاختيار النهائي للقارئ أو للمشاهد التلفزيوني؟ هل هناك أي تأثير لمحاولة تقديم النصح والتحذير من مخاطر بعض القرارات التي يتخذها بعض الحكام والمسؤولين في عالمنا العربي؟ أحيانا يرى الإنسان منا الخطر داهما، والعاصفة مقبلة، والطوفان ينحدر من أعلى قمة الجبل، والنيران تكاد تلتهم الوطن، فيسعى بكل ما أوتي من قوة أن ينبه ويدق ناقوس الخطر لما قد يحدث، ولكن - وللأسف الشديد - لا أحد يسمع ولا أحد يستجيب، بل أحيانا يتم تفسير ما نقوله على أنه خدمة «لأفكار ومصالح مضادة» لمصلحة البلاد!

ليست وظيفة الكاتب أو السياسي أو الإعلامي أن يقول «آمين» مصدقا، موافقا على أي شيء وكل شيء.

سيأتي ذلك اليوم الذي سيقف فيه الإنسان منا أمام مالك الملك في لحظة الحساب التي لا فكاك منها، وسوف يُسأل عما فعله في ماله وعلمه وولده، وسوف يُسأل عما قدمت يداه طوال حياته.

وحينما يعود الإنسان منا إلى أكبر الكوارث التي واجهت الأمة العربية سوف يكتشف أنها لم تأتِ فجأة أو دون تحذير من أصوات صادقة لم ينتبه إليها أحد.

ألم يتم تحذير الرئيس الراحل جمال عبد الناصر أن جيش بلاده غير مستعد لأي مواجهات حقيقية مع إسرائيل؟ وألم يُقل له إن سحب القوات الدولية من سيناء سوف يؤدي إلى ضربة عسكرية إسرائيلية؟ رغم ذلك حدثت هزيمة يونيو (حزيران) 1967 وتم ضياع سيناء والجولان والضفة والقدس الشريف.

ألم توجه عشرات النداءات والمبادرات للرئيس العراقي الأسبق صدام حسين بضرورة التراجع عن قراره الإجرامي الأحمق بغزو دولة الكويت من أجل تجنب ضربة عسكرية دولية سوف تحرق الأخضر واليابس في بلاده؟ ورغم ذلك لم يستمع وكانت تداعيات ملف العراق التي ما زلنا نعاني منها حتى يومنا هذا.

واليوم نصرخ ليل نهار لنظام الرئيس بشار الأسد، بإيقاف المجازر والبحث عن مخرج سياسي للبلاد وللعباد، وله هو شخصيا، ليقلل من فاتورة تدمير سوريا والمنطقة؟ ورغم ذلك يصر الأسد ونظامه على هدم المعبد على رؤوس الجميع مهما كانت الكلفة ومهما كانت تداعيات استمراره في الحكم.

لا أعرف إلى متى يضع بعض الحكام أصابعهم في آذانهم ولا يفقهون القول، ويسمعون النصح ولا يتبعونه؟!