بشار الأسد وشعب سوريا

TT

أجرت الصحيفة التركية «جمهورييت» مؤخرا مقابلة مع الرئيس بشار الأسد، التي فسر فيها الأوضاع الحالية في سوريا من وجهة نظره الخاصة. بداية، كان أمرا لا يمكن تصديقه بالنسبة لرئيس مثل بشار الأسد، أن يتحدث أحد أنصاره في البرلمان السوري زاعما أن سوريا والمنطقة لا تكفيان بشار، وأنه يجب أن يحكم العالم بأسره! وجعلني هذا أسترجع مقولة شهيرة لنابليون بونابرت. قال بونابرت إن كل شخص يمكنه ترويض زوجته، فهو قادر على ترويض دولة بأكملها، لكن كل شخص بإمكانه إدارة شؤون نفسه، بإمكانه إدارة شؤون العالم أجمع!

من الواضح جدا أن بشار عاجز عن إدارة سوريا. وهو يدعي أن السواد الأعظم من المتظاهرين قد خرجوا إلى الشوارع لأجل المال! يقول: «المخطط ضد سوريا مر بثلاث مراحل؛ المرحلة الأولى هي مرحلة المظاهرات.. جزء كبير من هذه المظاهرات كان مدفوعا.. في بداية الأزمة كان سعر المتظاهر عشرة دولارات.. الآن أصبح 50 دولارا أو مائة دولار حسب المنطقة ولكن كانوا يتوقعون أن يكون هناك فعلا ثورة حقيقية من خلال المظاهرات وثورة سلمية، كما حصل في مصر وتونس، حتى شهر رمضان الماضي فشلوا في تلك المرحلة.. انتقلوا بعدها لخلق مناطق في سوريا تسيطر عليها العصابات المسلحة بشكل كامل على طريقة بنغازي في ليبيا؛ فجرب الجيش هذه المحاولة التي استمرت حتى شهر مارس (آذار) الماضي حيث فشلوا في المرحلة الثانية.. فانتقلوا لعمليات الاغتيال الفردية وارتكاب المجازر بحق المدنيين، بالإضافة لمهاجمة مؤسسات الدولة بالمتفجرات».

يعتبر هذا النوع من التبرير شهيرا جدا. قبيل اندلاع الثورة في إيران، عندما كان المتظاهرون يخرجون إلى الشوارع والميادين بأعداد ضخمة، أشار رئيس الحكومة العسكرية (الجنرال أزهري) إلى أن هؤلاء الأفراد أتوا من دول أخرى. وحينما كان الناس يرددون صيحة الله أكبر كل ليلة من أسطح المنازل أو من خلف النوافذ، زعم أن تلك الأصوات منبعثة من أجهزة تشغيل أشرطة الكاسيت!

وبعد اندلاع الثورة، حينما بدأ بعض الكتاب والصحافيين في انتقاد الحكومة، قال آية الله جناتي، الإمام الذي كان يؤم المصلين في صلاة الجمعة، إنهم قد تلقوا 20 مليون دولار من أميركا. وفي مصر، بدا واضحا أن أحمد شفيق قد فاز بأكثر من 10 ملايين صوت، غير أن معارضيه ادعوا أنه دفع مبلغا ضخما من المال للمصريين كي يصوتوا لصالحه. يمكننا أن نجد كثيرا من الأمثلة المماثلة. وهذا يعني أن الحكومات تعتقد دائما أنها تنتهج المسار الصحيح، بينما ينتهج الشعب المسار الخاطئ.

في خمس دول، كنا نواجه خمسة أنواع مختلفة من الأساليب فيما يتعلق بالمنهج الذي اتبعته الحكومات في التعامل مع شعوبها. في تونس، في أعقاب قيام محمد بوعزيزي بإحراق نفسه موقدا شرارة مظاهرات عارمة اندلعت في ديسمبر (كانون الأول) 2010، فر بن علي إلى السعودية. لقد أدرك بن علي وإدارته أن الشعب لم يقبل حكمه، ومؤخرا، تقدم هو وزوجته، ليلى الطرابلسي، باعتذارهما لأسر الضحايا في تونس، وطلبا من الشعب الصفح عنهما.

وفي مصر، استغرقت عملية خلع حسني مبارك وقتا أطول، مما أسفر عن سقوط عدد هائل من الضحايا المصريين في ميدان التحرير. وبعد 18 يوما، أعلن مبارك تخليه عن منصبه.

وفي اليمن، أعلن عبد الله صالح، أنه سيظل في منصبه حتى نهاية مدة رئاسته، وقتل كثيرا من اليمنيين. وفي ليبيا، استخدم العقيد القذافي القذائف ضد شعبه، وادعى أن المتظاهرين يتعاطون عقاقير هلوسة. رأيناه في آخر أيامه، وشاهدنا بأعيننا ما حدث له. كل هؤلاء الحكام استخدموا مفردات متشابهة وأساليب خطاب متقاربة. ووجهت الاتهامات إلى شعوب مصر وتونس واليمن وليبيا جميعها بأنها قد وقعت ضحية لخداع من قبل دول أجنبية، بتلقي دولارات أميركية، إلى ذلك من الاتهامات الأخرى المشابهة.

إن أسلوب تعامل سوريا مع شعبها في الوقت الراهن يعد أسوأ رد فعل على احتجاجات شعبية. كانت ليبيا حكومة ودولة مستقلة بذاتها، وكان القذافي هو زعيم قبيلته، كان موقفه وأفعاله والخطاب الذي استخدمه غريبا. على الجانب الآخر، درس الأسد في المملكة المتحدة، ولا يبدو شخصا أحمق، ولهذا يظهر على السطح سؤال، ألا وهو: لماذا يدعي أن شعبه يتلقى 10 دولارات أو 50 أو 100 دولار نظير المشاركة في مظاهرات ضد نظامه؟ ألم يدركوا أن النظام يستخدم المدفعية في قصف مدنهم ومنازلهم؟ لماذا يفر أفراد الشعب إلى تركيا ولبنان؟ هل الإقامة في مخيمات اللاجئين أسهل بالنسبة لهم؟ كل هذا يوضح أننا ندور في حلقة مفرغة إذا ما حاولنا فهم موقف وسلوك النظام السوري، أو على الأقل بشار الأسد، في ضوء تسليمنا بأنه صانع القرار الرئيسي في سوريا. أعتقد أن بشار الأسد في أضعف فترات حياته وحكمه؛ أولا: يظن أن شعبه يتلقى دولارات من أجل المشاركة في المظاهرات، ثانيا: يعتقد أن سوريا في أفضل حال ممكن!

لدى ديفيد أوين كتاب مهم يحمل اسم «في المرض وفي السلطة». وفي هذا الكتاب، يركز على الأمراض الجسدية التي أصيب بها حكام الدول المختلفة، مثل شاه إيران والرئيس الفرنسي ميتران، اللذين توفيا جراء إصابتهما بمرض السرطان. لكني بصفة شخصية أعتقد أن المرض العقلي أسوأ تأثيرا. فالقذافي لم يكن مصابا بمرض جسدي، لكنه كان مجنونا بلا شك. والرجل المجنون يخالجه اعتقاد قوي بأنه محور العالم. إنه أيقونة الحقيقة. رأيت عنوانا فرعيا باللغة العربية على شاشة التلفزيون السوري. كان مأخوذا من زعم بشار الأسد أن النظام السوري يسير على النهج الصائب.

ليس ثمة أدنى شك في أن بشار الأسد سوف يعثر على الحقيقة في المستقبل، وسوف يعتذر في نهاية المطاف للسوريين، ولكن ذلك سيكون بعد فوات الأوان.

الآن قد ندمت وما ينفع الندم!