المؤامرة الكبرى على الكرد والعرب السنة في العراق

TT

وضعت خطوط مؤامرة سحب الثقة عن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ضد الكرد والعرب السنة حيز التنفيذ من يوم استباق التيار الصدري لحدث انتخابي، برفضه ولاية ثالثة للمالكي، والذي تفصله، أي الرفض، سنتان على وجه التقريب عن الانتخابات التشريعية المقبلة في عام 2014. وعقب ذلك مباشرة، توقعت أن المالكي سيرشح نفسه لدورة ثالثة وسيفوز رغم ذلك الرفض، ولولا الإطالة الباعثة على الملل لأوردت الأسباب التي استندت إليها بفوزه بولاية ثالثة. وأغلب الظن، أن ذلك الرفض زين للتحالف الكردستاني وبالأخص الحزب الديمقراطي الكردستاني فيه ولـ«العراقية» السنية أن يتفقا مع التيار الصدري للإطاحة بالمالكي. وعلى أثر ذلك، قلت في إحدى المناسبات إنه ليس بصعوبة سحب الثقة عنه بل استحالة ذلك، كون الثلاثي الذي نادى به، يفتقر إلى التجانس بين أطرافه وإلى برنامج متفق عليه يلي سحب الثقة. وأضفت، أن عملية السحب وضمن تلك الشروط ستدفع بالبلاد إلى نفق مظلم وإلى (الفوضى الخلاقة) التي ربما كان الكرد والعرب السنة قد عقدوا عليها الآمال لتحقيق أهدافهما المتقاطعة، لكن لم يمر طويل وقت، وإذا بتطور لافت يدخل على الخط ليبدد تلك الآمال وتوقعات الكثيرين بنجاح عملية سحب الثقة، عندما أعلن رئيس كتلة الأحرار النيابية التابعة للتيار الصدري بهاء الأعرجي بثلاث (لنات) إن جاز التعبير، أن كتلته لن تستجوب ولن توقع ولن تشترك في اللجان التي تعد للاستجواب.. إلخ، مضيفا أن كتلته «أبلغت التحالف الكردستاني و(العراقية) بعدم المشاركة في عملية الاستجواب المتوقعة للمالكي».

لقد كان متوقعا ظهور موقف مفاجئ للتيار الصدري من عملية سحب الثقة، ففي وقته نوه مصدر خليجي إلى ضرورة إسراع الثلاثي المعارض للمالكي بتقديم طلب سحب الثقة عنه من قبل أن يتراجع الصدر، ما يعني أن الشكوك في مصداقية مقتدى الصدر كانت قائمة، ولو على نطاق ضيق، ونابعة من كونه الأكثر قربا من إيران من قرب بقية القوى السياسية الشيعية إليها، القوى مثل: المجلس الإسلامي الأعلى وحزب الفضيلة وحتى حزب الدعوة الحاكم.. إلخ، ثم إن الأشد مناصرة لنظام الرئيس بشار الأسد كان ولا يزال التيار الصدري الذي يقال إنه زج بنحو 4000 مسلح من (جيش المهدي) في المعارك ضد المعارضة السورية، فضلا عن تحالفه القوي جدا مع حزب الله اللبناني، ليس هذا فحسب، بل إنه عرف دوما بوقوفه في الصف الأمامي ضد تطلعات الكرد والسنة في آن معا. بالمقابل يختلف كل من التحالف الكردستاني و«العراقية» مع التيار الصدري في الكثير من الأمور، فعلى سبيل المثال، نجد أنه في الوقت الذي يدعم فيه الصدريون حكومة الرئيس الأسد فإن التحالف الكردستاني و«العراقية» يدعمان خصوم هذه الحكومة، كما أن سياسة الصدر حيال كركوك والمناطق المتنازع عليها تتقاطع بشكل يتجاوز سياسة المالكي في التشدد إزاء مطالب الكرد. كل هذا وغيره من التقاطعات. ما يفيد بصعوبة خروج الصدريين من السرب الشيعي والتغريد خارجا عنه، وفوق كل هذا يحق لنا أن نتساءل: ما هو الغبن الذي حل بالصدر والصدريين لكي يتبنوا من المالكي موقفا معاديا له، سيما بعد أن حقق الأخير جملة مطالبهم؟ وعاملهم معاملته لطفل مدلل إن جاز القول.

وثمة أمثلة أخرى تعزز من الشكوك بمصداقية الصدر، منها انتقال مكتبه من مدينة قم الإيرانية إلى مدينة النجف الأشرف العراقية على ذمة الأخبار، وهو ما أوحى بأن الانتقال جاء نزولا عند ضغوط إيرانية. في وقت غادر الصدر العراق إلى إيران في السابق من الأعوام تحت ضغط من حملة قمعية دموية طالت أنصاره على يد حكومة المالكي من غير أن يكون مناديا، أي الصدر، بإسقاط المالكي. عليه والحالة هذه، ليس من المنطقي أن يعود الصدر إلى العراق ويطالب بإزاحة المالكي التي من شأنها أن تجلب عليه قمعا أشد وغير مسبوق يفوق بدرجات ذلك القمع الذي واجهه في الماضي من الأعوام.

هنا لا يملك المرء إلا أن يتساءل كيف غابت هذه الحقائق عن هذا الثلاثي؟ وهل يعقل أن يتحرر الصدريون من ارتباطاتهم المتعددة والمتشعبة بالقوى الشيعية التي ذكرناها كما أنهم وبحق يقفون في أقصى الإسلام السياسي الشيعي والفصيلة الأكثر تطرفا فيه.

لما تقدم آمل أن لا يشبه ما ذهبت إليه، برمي حصوة في الظلام، أو القول اللامسؤول، وهو أن عملية سحب الثقة لم تكن سوى مخطط لضرب عصفورين بحجرة واحدة، الكرد والعرب السنة فالإيقاع بهما عبر توريطهما في معركة سحب الثقة الفاشلة، وأن الصدر تأسيسا على ما مر لم يكن سوى (حصان طروادة) إيراني إلى الكرد والعرب السنة لجرهما إلى معركة خاسرة لا بد أن تجر بتداعيات كارثية خطيرة في المستقبل المنظور عليهما. وعلاوة على ما ذكرنا، فإن انسحاب الصدر المفاجئ لم يحصل بالتدريج أو تتهيأ الأذهان لتقبله، والذي تتطلبه التراجعات من المواقف في السياسة، فالانسحاب تم بطريقة أشبه ما تكون بعملية عسكرية من عمليات الكر والفر وعلى النقيض من الانسحابات السياسية التي غالبا ما تنفذ على مراحل وبتأن.

لا يخامر المرء الشك في أن عملية سحب الثقة الفاشلة عن المالكي لن تمر مر الكرام، ولا بد أن تكلف ضريبة باهظة يدفعها الكرد والسنة اللذان خاضا تلك المعركة بارتجالية وسذاجة وبشكل غير مدروس، ناهيكم من أنهما دخلاها مثقلين بهزائم متتالية على مر الأعوام الماضية، فالكرد فشلوا في ترتيب بيتهم ولم يتمكنوا من القضاء على الفساد المستشري في مفاصل الحكومة الإقليمية أو تثبيت حكم القانون، ومن أشكال فشلهم أيضا عدم تمكنهم من توحيد الإدارتين الكرديتين بشكل تام إلى الآن، وكذلك عدم إيفائهم بالوعد الذي قطعوه بخصوص إعلان الاستقلال لكردستان في الربيع الماضي وعجزهم عن إيقاف حملات الترحيل والإرهاب بحق الكرد في المناطق المتنازع عليها، أما هزائم «العراقية» فحدث ولا حرج، وتمثلت في المساومات والتراجعات التي لا تحصى والتي أدت إلى انسحاب الكثير من برلمانييها منها وكذلك أعضاء لها في مجالس المحافظات.. إلخ.

إن بوادر شن هجوم كبير على الكرد والعرب السنة من جانب حكومة المالكي لاحت في الأفق تزامنا مع التراجع الصدري المنوه عنه، فلقد استقبل المالكي ببغداد وفدا كبيرا لرؤساء عشائر ووجوه كردية، والذي لم يحصل عفوا، ومن الممكن اعتباره تحديا سافرا للحكومة الكردية، وتقيمه (الوفد) كخلايا نائمة أو متأهبة للتحرش بالحكومة الكردية، وجاء تصريح سكرتير الحزب الديمقراطي الكردستاني من أن الكرد لم يقولوا بديكتاتورية المالكي ليقيم كتراجع لهذا الحزب بدوره عن موقفه بخصوص سحب الثقة عن المالكي، وفي ما يتعلق بـ«العراقية»، فلقد ذكر أن وزراءها لن يتخلوا عن المالكي.. إلخ من البوادر.

على الكرد والعرب السنة البحث عن أساليب أخرى لمواجهة المالكي والتخلي عن أي أسلوب يرمي إلى سحب الثقة منه أو إسقاطه، فكلاهما (الكرد والعرب السنة) الآن ومنذ أعوام في وضع الحركات التحررية التي يهمها تحقيق المطالب الوطنية والقومية وليس إسقاط النظام.

* رئيس تحرير صحيفة «راية الموصل» - العراق