محبوبة ومذمومة

TT

مواصلة لطروحاتي عن الديمقراطية، وردتني تعليقات من القراء الأفاضل على ما كتبته بعنوان «الديمقراطية نظام سيئ». الظاهر أن القراء تعلقوا بالعنوان وتجاهلوا ما تلته من كلمات: «ولكن كل الأنظمة الأخرى أسوأ منه»؛ فهي ككل شيء في الحياة له جوانبه السلبية والإيجابية.

يقول السيد عدنان حسين من فرنسا، إن عيوب الديمقراطية في آلياتها، وهي اللوبيات المتنفذة، في الغرب لوبيات رأس المال، في الشرق الأحزاب الدينية التي تجتر قوتها المالية من البسطاء. يا سيد عدنان، إنك وضعت إصبعك على مقلب عجيب؛ فبسطاء الناس يدفعون فلوسهم لهذه الأحزاب لتقوم باستغلالهم وتضليلهم وتجهيلهم. هل رأيت مهزلة مأساوية أسوأ وأعجب من ذلك؟

يسألني السيد عبد الله سعيد، كيف أعيش في بريطانيا لولا ديمقراطيتها؟ بالضبط يا سيدي؛ فهذا هو الشيء الذي حملني على ترك العراق والاستقرار هنا. لا أستطيع أن أفهم كيف يعيش أي إنسان دون الحرية، حرية التفكير وحرية القراءة وحرية الكلام وحرية السلوك. أقول ذلك رغم ما استشهد به خالد علوكة من كلمات دستوفسكي، إن الحرية تقود للشر. أصارحك يا سيدي بأنني شخصيا كثيرا ما أوقعت نفسي في مشكلات نتيجة تمسكي بالحرية. ولكنها شيء غريزي في نفسي لا أستطيع أن أقاومه. وأخطر ما في الحرية أن تمنحها لمن لا يعرفون حدودها ولا يحسنون استعمالها؛ ولهذا تلاحظ تاريخيا أن معظم النهضات بدأت في ظل السلطوية والديكتاتورية والقبضة الحديدية لحاكم عاقل وقدير. جاءت الديمقراطية فيما بعد إثر نجاح النهضة وازدهارها ونضوج شعبها. وأعتقد أن السيدين سامي البغدادي ومحمد أحمد يوافقانني على ذلك في تشككهما من جدوى الديمقراطية وتطبيقاتها الراهنة.

بيد أن السيد البغدادي عاد في رسالة لاحقة لهذا الموضوع ليفصل رأيه بأن «التغيير بين عشية وضحاها» أمر مستحيل، وهذا رأس الحكمة. عجلة التاريخ تدور بهدوء وأناة. وهذه الديمقراطيات الغربية التي تبهرنا لم تحصل بين عشية وضحاها، إنها نتيجة قرون من الزمن؛ بدأت بصدور ما يعرف بالعهد الأعظم الذي حصل عليه الإنجليز من الملك جون في القرن الثالث عشر. ومرت الشعوب الأوروبية عبر السنين بشتى المحاولات والإحباطات والانتفاضات والإصلاحات حتى وصلت لنظامها الديمقراطي الحالي. من مساوئ القدر أننا نستطيع أن نضيع فلوسنا باقتناء آخر موديلات السيارات وقناني العطور والمكياج، ولكننا لا نستطيع أن نستورد بسهولة آخر ما لديهم من تنظيمات وتشريعات في الديمقراطية.

السيد رمح المنتصر في الخليج العربي زعلان مني لأنني «أشوش» عليه وعلى الآخرين فرحة تسلم «الإخوان المسلمين» للحكم في مصر، آسف على ذلك، وإن شاء الله سأهلل وأحتفل معك بمنجزاتهم ونجاحهم في الحكم. وما أحوج الشعب المصري لذلك. على من يحب أمته ألا يكون دوغماتيا، وإنما عمليا وواقعيا وينشد الخير للناس. ما عليهم أن يحذروا منه ويحاربوه هو التصرفات الشريرة والعقيمة التي ستجرى باسمهم واسم الإسلام زورا، كقتل رئيس فرقة موسيقية اعتقادا بأن الموسيقى حرام! أو منع الذكور من العمل في بلاجات شرم الشيخ!