التلاعب في مؤشر «ليبور».. مسلسل جديد في فضائح البنوك

TT

في المراحل المبكرة من فضيحة مؤشر سعر الفائدة على القروض بين البنوك في لندن «ليبور» - التي لم تنته بعد – ثمة مفاجأتان كبيرتان. الأولى هي أن المصرفيين والمتداولين والمسؤولين التنفيذيين وغيرهم من المتورطين قد يتآمرون بشكل علني، وأحيانا بسعادة، من أجل التلاعب في سعر الفائدة الرئيسي لمنفعتهم الشخصية. ومع كل هذه السلوكيات المصرفية المشينة التي قد تم كشف النقاب عنها منذ حدوث الأزمة المالية، من المدهش أنه ما زالت هناك بعض عمليات غسل الأموال التي لم يتم سبرها بعد. لقد كانت لدينا قروض ذات تصنيف ائتماني منخفض وتقييمات زائفة ونسبة تحمل مخاطر مفرطة، بل وحتى عملاء يتم استغلالهم في التحرر من عبء الرهونات العقارية السيئة.

غير أنه مع هذه الحوادث السابقة المشابهة، فإن فضيحة مؤشر «ليبور» تمثل صدمة. يتمثل مؤشر «ليبور» في سلسلة من أسعار الفائدة التي تمنح بموجبها البنوك قروضا من دون ضمانات لبعضها البعض. الأمر الأهم هو أنه يعتبر مقياسا على أن الكثير من الأدوات المالية قد تم تحديد سعر فائدة معين لها. وتقدر هيئة تداول السلع الآجلة، والتي تعقبت المخالفات وسلطت الضوء على الفضيحة، أن مشتقات تقدر قيمتها بـ350 تريليون دولار وقروضا قيمتها 10 تريليونات دولار تعتمد على مؤشر «ليبور».

ومع اعتماد كم هائل من المعاملات المالية على هذا المؤشر الحاسم لأسعار الفائدة، فلا يجب أن يكون هناك أي تشكيك في مصداقيته. إلا أنه بداية من عام 2005، بحسب هيئة تداول السلع الآجلة ووزارة العدل، أقنع متداولو المشتقات في بنك «باركليز»، البنك البريطاني الذي يعتبر أكبر من أن يفشل، من خلال المشاركة الفعالة لمتداولين ببنوك أخرى لم يتم ذكر أسمائها بعد، زملاءهم الموظفين بالبنك بإرسال أرقام مؤشر «ليبور» التي تم تظليلها بطرق تساعد في ضمان أن عمليات التداول التي يقومون بها تحقق أرباحا. بل إن حتى روبرت دياموند جيه آر، الرئيس التنفيذي السابق لبنك «باركليز» الذي فقد وظيفته بسبب تستره على الفضيحة، قال: إن قراءة رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بالمتداولين جعلته «يصاب بالغثيان».

وفي عام 2007، مع تقدم الأزمة المالية بشكل سريع، بدأت البنوك في إرسال معدلات مؤشر «ليبور» المزيفة لسبب مختلف. كان مؤشر «ليبور» بمثابة مقياس أعطى العالم الخارجي فكرة عن حجم المشكلات التي كانت تواجهها البنوك؛ فكلما ارتفع سعر الفائدة اللازم للاقتراض، ساء الشكل المفترض أن تكون عليه. ومن ثم، بدأ بنك «باركليز» - على ما يبدو بمشاركة منظمي البنوك البريطانية – في إرسال أسعار فائدة أدنى من الحقيقية. وقال مسؤولوه التنفيذيون إن الهدف هو إثناء باركليز عن «إبداء أسبابه المنطقية على نحو قد يسبب ضيقا لآخرين».

حتى في الوقت الراهن، يبرر «باركليز» الأساس المنطقي الأخير بوصفه نوعا من الإجراءات الطارئة التي أنتجتها الأزمة المالية. غير أن البنك مخطئ في هذا الشأن. فإرسال بيانات خاطئة، بغض النظر عن السبب، يمثل خرقا للقانون – ناهيك عن كونه خرقا واضحا للثقة. مجددا، يقود هذا المرء للاعتقاد بأن المصرفيين لا يدركون معوقات القانون أو المبادئ الأخلاقية.

وهذا ينقلني إلى المفاجأة الكبرى الثانية. جاء رد فعل بريطانيا وأميركا تجاه فضيحة مؤشر «ليبور» مختلفا. فمن جانبها، كانت بريطانيا في حالة من الذعر التام حيال هذه الفضيحة، من خلال تغطية شاملة، وتعبير أكثر الإصدارات المرموقة المؤيدة لقطاع الأعمال عن حالة من الغضب الشديد. بالفعل بنك باركليز هو بنك بريطاني، والكلمة الرئيسية في مؤشر «ليبور» هي لندن. غير أن صحيفة «الإكونوميست» نشرت مقالا عن الفضيحة تحت عنوان «المصرفيون المحتالون».

أما في أميركا، فقد كان رد الفعل بالأساس ممثلا في حالة من اللامبالاة. ربما نعاني من حالة إنهاك من فضائح البنوك، بعد معايشة الكثير من أزمات «بنك أوف أميركا»، والكشف عن فضائح متورط فيها بنك «غولدمان ساكس»، ومؤخرا خسارة التداول الكبرى التي تكبدها بنك «جي بي مورغان تشيس». أو ربما يكون مؤشر «ليبور» من الصعوبة بمكان بحيث لا يمكن لأحد فهمه. غير أن البريطانيين نجحوا في المهمة. ربما لأنهم يفهمون تعقيدات مؤشر «ليبور» بصورة أفضل منا، ويستشعرون، بقوة، أن البنوك قد استهزأت بالدور الذي أوكله المجتمع إليها.

«لماذا أشعلت الفضيحة موجة من الغضب في بريطانيا؟ لأنها بالفعل مثيرة للغضب»، قالت كارين بيترو، المدير الشريك لشركة «فيدرال فايننشيال أناليتيكس». وأضافت: «لم يكن من المفترض أن يعدلوا ذلك المعدل – أيا كان السبب». واستطردت قائلة: «إذا منحتك أموالي، يجب أن أكون قادرة على أن أعهد بها إليك. إذا كان لا يمكن أن توكل إليك المهمة إلا من خلال قانون منظم، إذن فربما تكون مصدرا مفيدا. وإذا لم يكن من الممكن أن توكل للبنوك مهمة إدارة مكاتب التداول الخاصة بها، فهذا يعني أننا بحاجة لإعادة النظر في نموذجنا المصرفي بأكمله». ليست بيترو من أنصار العودة إلى أيام «غلاس ستيغال»، قانون حقبة الكساد الذي فرق بين الاستثمار المصرفي والأعمال المصرفية التجارية. وقالت: إنه مع فضيحة «ليبور»، بات بإمكانها بالتأكيد فهم زيادة الطلب على العودة للعمل به.

بالطبع ليس بنك «باركليز» هو البنك الوحيد الكبير الذي تلاعب في مؤشر «ليبور» لتحقيق ربح. هو فقط أول بنك يعترف بمخالفته ويعقد تسوية مع الحكومة. الحقيقة هي أن كل البنوك الكبرى تخضع لتحقيقات للوقوف على ما إذا كانت تتلاعب في مؤشر «ليبور» أم لا، ومن بينها «جي بي مورغان تشيس» و«سيتي غروب» وغيرهما من الكيانات المالية الضخمة الكائنة في أميركا. وهذا يعني أنه ستكون هناك المزيد من الفرص المهيأة للأميركيين كي يصابوا بحالة من الغضب من هذه الفضيحة، بل وربما لاستجماع الشجاعة في نهاية المطاف لتغيير القطاع المصرفي بشكل قاطع.

* خدمة «نيويورك تايمز»