تفاح الحب

TT

إنني أصطفي من فواكه الدنيا (التفاح)، مثلما يصطفي الشيخ المتبتل من نعم جنة الآخرة (الحور العين).

لهذا ما فتئت منذ أكثر من ثلاثة عقود أن أقضم في كل ليلة قبل أن أتوجه إلى فراشي تفاحة حمراء كاملة، وكأنني في كل ليلة أقضم عروسة عذراء.

ومن شدة محبتي لهذه الفاكهة التي ألهمت (نيوتن) اكتشاف الجاذبية عندما سقطت عليه من الشجرة وكأنها سقطت عليه من السماء، أقول إنه من شدة محبتي لها أصبحت لا أقتني من أجهزة (الكنبيوتر) غير (آبل)، وأصررت في زيارتي لأميركا أن أتصور تحت تمثال (فيليكوس كورن)، وهو الرجل الفدائي الذي جازف وكان أول من تذوق تلك الفاكهة اللذيذة، كما أنني نصحت أحد أصدقائي وأطلق على إحدى بناته اسم تفاحة.

وكانت هي و(الطماطم أو البندورة) أول ما دخلت إلى أوروبا في القرن السادس عشر لهذا أطلقوا عليها اسم (تفاح الحب)، مع أن الفارق شاسع بينهما مثلما هو الفارق بين (الإبل والغنم).

أكتب هذه الكلمات والساعة تكاد تقارب الثانية عشرة مساء، وأمامي الآن صحن كبير تتوسطه تفاحة واحدة راقصة، وكأني بها تناديني وتتوسل بي أن أمسك بها وأمسد عليها وأقبلها وأشمها و(أبوسها) وأسمي عليها قبل أن ألتهمها وأذهب إلى فراشي مرتاح الضمير، وتصبحون على خير.

والآن وبعد أن صحوت مع عصافير الفجر، وبعد أن غسلت وجهي وفرشت أسناني، وتناولت (الكورن فلكس) مع ما تيسر من الشاي المخلوط بقليل من الحليب، نزلت إلى مكتبي قفزا لأستفتح يومي الممتلئ بالشغب، وإذا بي أستفتح أول ما أستفتح بالخبر التالي: ذكرت التقارير أن طائرة إندونيسية قد أجلت رحلتها عندما طلب ركابها الخروج منها بسبب رائحة كريهة منفرة سببتها فاكهة (الدوريان الاستوائية) الموضوعة في حقيبة أحد الركاب، وتلك الفاكهة (المخنزة)، يحبها أهل تلك البلاد مثلما أحب أنا التفاح.

ولكي أعطركم أكثر في هذا الصباح المقرف، فقد قرأت أيضا أن سائحا ألمانيا يدعى (ماريتن اورسل بريرا)، رفضوا صعوده إلى الطائرة في مطار (ريسيف) للعودة إلى بلاده بسبب قذارته ورائحته التي (تصرع الطير الحايم)، إذ مضى عليه عدة أشهر دون أن يلامس الماء والصابون جسده، ودون أن يبدل ملابسه، وفوق ذلك كان يدهن جسده كل ليلة (بالفيكس).

وتمنيت لو أن ذلك الألماني (المنتن) حل ضيفا على صديق له من أهل (بورما)، حيث إن من تقاليدهم هناك أنهم لا يصافحون ولا يعانقون ولا (يتناقرون بالخشوم) مثلما يفعل بعض أبناء الخليج، ولكنهم (يشمشمون) بعضهم بعضا، وكلما زاد الترحيب بالآخر يقول له: أرجوك دعني أشمك أكثر، ولا يتورع الآخر أن يعطيه (باطه) ثم يدير له ظهره، والآخر يستمر بالشمشمة.

كانت بدايتي في هذا المقال الذي كتبته على مرحلتين، في الليلة البارحة كنت منشرح الخاطر تماما، معانقا تفاحة وأي تفاحة.

واليوم وفي هذا الصباح أكمل وأكتب لكم هذه الكلمات بيدي اليمنى، فيما يدي اليسرى قابضة وكاتمة على منخاري.

فأرجوكم اعذروني، لأن الحياة هي هكذا فعلا.

الحياة يا سادتي ما هي إلا خليط من (التفاح والدوريان).

[email protected]