السعودية كسبت معركة النفط مع إيران

TT

ربما لم ننتبه إلى الحدث، حيث كنا فعلا وسط معركة عالمية لم يكن ممكنا التنبؤ مبكرا بمضاعفاتها السياسية والأمنية والعسكرية. كانت، ولا تزال، كل القوى العسكرية في منطقة الخليج، العربية والأميركية والإيرانية، قد وضعت في حال تأهب قصوى. السبب أن الحرب على صادرات النفط الإيراني قد بدأت.

ويبدو أن أولى جولاتها قد حسمت، ربما في سلسلة معارك، طرفاها مصدرا النفط ذوا الوزن الثقيل، السعودية وإيران. السعودية استمرت تنتج غير عابئة بالتهديدات الإيرانية لها التي كانت تحذرها ألا تسد الفراغ النفطي، وإيران لم تتجرأ على سد مضيق هرمز، ولا مهاجمة المنشآت النفطية الخليجية، كما لمحت إلى ذلك من قبل.

قبل أسبوع بدأت ساعات الحظر الغربي على النفط الإيراني، ولم يقفز سعر البرميل إلى مائتي دولار كما كانت تراهن القيادة الإيرانية، فيضطر العالم إلى التخلي عن استخدام سلاح «استيراد النفط» ضدها. الذي حدث هو العكس. فقد سبق الحظر هبوط تدريجي لسعر برميل النفط قبيل المنع بنحو عشرة دولارات، نزل إلى ما يقارب التسعين دولارا، ثم عاد إلى الارتفاع لكن دون ما كان عليه.

ليس سرا أنه ما كان للنفط أن يستقر سعره لولا عزم كبار المصدرين على ملء البراميل الإيرانية الفارغة. ورغم تهديدات المسؤولين الإيرانيين المتكررة لكبيرة المصدرين، أي السعودية، ورغم تخويفهم للعالم بالفوضى البترولية، فقد ظل هناك فائض من النفط المعروض. ولسوء حظ الرئيس الإيراني أن العالم بقي مستقرا ولم ينقطع الإنتاج بشكل كبير في أي حقل نفطي. حتى ما قيل عن توقف العراق عن شحن نفطه من البصرة لم يؤثر في السوق شيئا، واستأنف العراق صادراته بشحنة من مليون ونصف مليون برميل أول من أمس.

لقد أظهرت الحرب النفطية الدائرة الآن أمرين، الأول قدرة دول الخليج على رفض الوصاية الإيرانية التي هددتها إن زادت إنتاجها، مع ملاحظة أن الزيادة بقيت في إطار الحصص الرسمية للأوبك. والأمر الثاني، أن إيران ظهرت للعالم نمرا من ورق. فهي استمرت تهدد منذ أكثر من عام بأنها ستغلق مضيق هرمز إن حرمت من تصدير نفطها للعالم، من مبدأ الدفاع عن النفس، وأنها ستهدم السوق على رأس الجميع. لم تتراجع إيران عن تنفيذ تهديدها فقط، بل أصدرت بيانا رسميا للعالم تعلن أنها لا تعتزم غلق المضيق. هي تعرف أنها لو فعلت قد تُسحق عسكريا. وبدل ذلك لجأت إلى سياسة نظام صدام إبان الحصار النفطي عليه، بالتحدي من خلال الاحتيال. أعلنت أنها اشترت المزيد من ناقلات النفط لتقوم ببيعه بنفسها مباشرة في السوق، بعد رفض ناقلات النفط الدولية نقله نتيجة توقف شركات التأمين عن منح أي تأمين لأي ناقلة للنفط الإيراني. لكن حتى طرق الأبواب لبيع نفطها مباشرة لن ينجح. كينيا، مثلا، أعلنت أنها تراجعت عن شراء ثمانين ألف برميل من نفط إيران عندما لوحت أوروبا إلى أنها إن اشترته ستعرض نفسها للعقوبات الاقتصادية.

وقبل ذلك كان البنك المركزي الأميركي، ونظيره الأوروبي، أعلنا عن بدء تطبيق منع استخدام الدولار واليورو في أي مشتريات إيرانية، مما جعل من الصعب على النظام الإيراني المتاجرة مع العالم، بما في ذلك مع أسواق كبرى مثل الصين والهند.

نحن وسط معركة فريدة من نوعها، أسلحتها الدولار، واليورو، وشركات التأمين، وبالطبع القوة العسكرية البحرية الضاربة الرابضة أمام السواحل الإيرانية. وإيران، التي نقصت قدرتها على التصدير أكثر من مليون برميل، أي أكثر من ثلث ما كانت تبيعه قبل الحظر، وستنقص أكثر لاحقا، ومعها ستنقص مداخيلها المالية، وسيصبح النظام معرضا للاهتزاز داخليا.. قد يحولها كل ذلك إما إلى دولة معتدلة أو عدوانية، بأن تعمد إلى آخر أسلحتها: شن حروب على جيرانها. لهذا ذكرت أننا انتهينا من الجولة الأولى لأنه من الصعب التنبؤ بما سيفعله جنرالات آية الله خامنئي عندما يجوعون.

[email protected]