العقوبات النفطية على إيران لن تكون كافية

TT

تماما كما كان متوقعا، لم تكن المحادثات التي جرت الأسبوع الماضي «على مستوى الخبراء» بين إيران والقوى العالمية الكبرى مثمرة بأكثر من الجولات السابقة، مما ترك بصيصا لا يكاد يذكر من التفاؤل بشأن إمكانية أن تنجح المفاوضات في التوصل إلى حل للأزمة النووية قريبا. ويبدو أن صناع القرار الغربيين، الذين قوى من موقفهم نجاحهم في تقليص حجم الصادرات النفطية الإيرانية، قانعون بمنح العقوبات وقتا أطول كي تفعل مفعولها، على أمل أنه بمجرد أن تستشعر إيران تأثيرها الكامل، فإن المفاوضين سيعودون إلى طاولة المفاوضات وهم أكثر استعدادا للتوصل إلى حل وسط.

لكن الدلائل تشير إلى أن تأثير العقوبات على صادرات إيران النفطية لن يزيد بمرور الوقت.

أولا، إن صناع القرار الغربيين يميلون إلى التركيز على ما خسرته إيران أكثر مما احتفظت به أو كسبته، وهذا جيد بالنسبة لجدل سياسي لكنه سيئ بالنسبة لصناعة سياسة معقولة. صحيح أن صادرات إيران النفطية تراجعت من 2.5 مليون برميل يوميا إلى 1.5 مليون برميل، لكن هذا المستوى الذي تم تخفيضه ضئيل للغاية، وما زالت إيران واحدة من أكبر الدول المصدرة للنفط في العالم، والذي يدر عليها المليارات من العملة الصعبة، كما أنه لا يوجد ما يوحي بأن التراجع في الأرباح قد عطل سير البرنامج النووي الإيراني، الذي يعد مثار الغضب الغربي، حيث صارت إيران تقوم بتخصيب اليورانيوم بسرعة أكبر وبمستويات أعلى من أي وقت مضى. وإذا بدا أن هناك طرفا يشعر بالحاجة إلى التوصل إلى تسوية، فإن هذا الطرف هو «مجموعة 5+1» (التي تضم الولايات المتحدة وبريطانيا والصين وفرنسا وروسيا وألمانيا)، فقد تراجعت المجموعة عن المطالبة بأن تتوقف إيران تماما عن تخصيب اليورانيوم، وصار مطلبها هو مجرد أن تضع سقفا للتخصيب عند مستوى منخفض.

وعلاوة على ذلك، فإن الدلائل التاريخية لا تخبرنا بأن تأثير العقوبات على الأنظمة السياسية يتزايد بمرور الوقت، فهناك أمثلة كثيرة - مثل معمر القذافي في ليبيا، وصدام حسين في العراق، وكوريا الشمالية في الوقت الحالي - تبين أن تلك الأنظمة تتمتع بالقدرة على المقاومة ويمكنها أن تصمد لفترة طويلة في وجه العقوبات، بل ويمكنها التكيف معها أو حتى مراوغتها. وهناك أيضا سبب قوي للاعتقاد بأن الدول التي امتثلت على مضض لتطبيق العقوبات النفطية لن تمضي قدما في عمليات التخفيض، بل وربما تزيد من وارداتها من النفط الإيراني مع تعافي النشاط الاقتصادي وما يستتبعه من تزايد الطلب على النفط. وتشير البيانات الحديثة إلى أن مشتريات الصين من النفط الإيراني قد ارتفعت، رغم أنها كانت قد شهدت تراجعا شديدا خلال الربع الأول من العام الحالي.

إذن، فبينما يأمل صناع القرار في أن تستمر العقوبات النفطية في تحقيق نتائجها المرجوة، فمن المرجح أن يكون تأثيرها الكامل قد تحقق بالفعل. وإذا انتظرت الولايات المتحدة وحلفاؤها لرؤية أي الاحتمالين ينطبق على الواقع، فربما تكون النتيجة هي فترة طويلة من اللافعل تشبه الفترة التي أعقبت صدور قرار مجلس الأمن رقم 1929 في يونيو (حزيران) عام 2010 واستمرت حتى اعتمد الكونغرس والاتحاد الأوروبي العقوبات النفطية أواخر عام 2011. ومثل أي ملاكم جيد، فإن واشنطن ينبغي أن تتبع دفعة العقوبات المشددة بمزيد من الضغوط التي لا تنقطع.

وقد كانت أحدث العقوبات التي تم فرضها في غاية الأهمية، لأنها استغلت اعتماد إيران على مواردها من الصادرات النفطية - وهي إحدى نقاط الضعف الرئيسية لدى النظام الإيراني. ولكي يتم إحداث زيادة لها معنى في الضغوط، يتعين على صناع القرار أن يكتشفوا جوانب الضعف الأخرى لدى النظام الإيراني، وأن يستغلوها.

وأحد جوانب الضعف هذه محدودية الدعم الدولي لإيران، فالنظام الإيراني ليس لديه سوى عدد بسيط جدا من الحلفاء الحقيقيين، وأهمهم على الإطلاق سوريا، ومن شأن بذل جهود دولية أكثر جرأة لإسقاط نظام بشار الأسد أن يضعف بشدة من موقف طهران، مثلما ستفعل زيادة التركيز على قطع إمدادات الأسلحة والتمويل التي تتدفق من وإلى إيران.

ومن جوانب الضعف الرئيسية الأخرى لدى إيران تزايد العزلة الداخلية التي يعيش فيها النظام، ولا ينبغي أن يخجل الغرب من رعاية وتشجيع الإيرانيين خارج الدائرة الضيقة المحيطة بالمرشد الأعلى علي خامنئي أو من تقديم الدعم للمعارضين داخل إيران.

وأخيرا، ينبغي أن تعمل واشنطن على تعزيز مصداقية تهديداتها العسكرية، وتعتبر الخطوات التي اتخذت مؤخرا لتدعيم وضع قواتها في الخليج العربي بداية جيدة، ولكن ينبغي أن يصحبها مزيد من التصريحات الجدية بشأن استعداد الولايات المتحدة لاستخدام القوة، والتوقف عن التصريحات التي تبالغ في الحديث عن تبعات القيام بعمل عسكري. وأغلب الظن أن هذا سيثير الاهتمام في كل من طهران وبكين، فإذا كان البديل هو نشوب صراع عسكري في منطقة الخليج العربي، فربما تجد الصين أنه من الحكمة أن تخفض أكثر من حجم وارداتها من النفط الإيراني - وهو ما قد يكون أهم طريقة لتعزيز العقوبات الحالية.

إن تأكيدات صناع القرار الغربيين بأن هناك وقتا كي تحدث العقوبات مفعولها تبدو إلى حد ما مثل عداء ماراثون يقول إن لديه وقتا طويلا لإنهاء السباق. فربما يكون هناك وقت، لكن فشل آخر جولة من المحادثات في تحقيق أي تقدم رغم تصاعد الضغوط على إيران يبين أيضا أنه ما زال أمامنا طريق طويل.

* العضو المنتدب في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى.. ومدير شؤون الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأميركي من عام 2005 إلى عام 2008

* خدمة «واشنطن بوست»