حكايتي مع الملكة () هتلر ونفرتيتي

TT

لقاء مع صحافي ألماني؛ حضر خصيصا من ألمانيا لمقابلتي وإجراء حوار حول موضوع واحد وهو الملف الكامل الذي تقدمت به للحكومة الألمانية في عام 2010 للمطالبة رسميا بعودة رأس الملكة المصرية نفرتيتي إلى موطنها مصر لتلتقي مرة أخرى وزوجها الملك أخناتون – أول ملك نعرفه في التاريخ القديم يدعو إلى عبادة الإله الواحد الذي تتجسد قوته في قرص الشمس - وذلك بعد طول انفصال وصل إلى مائة عام منذ استطاع عالم الآثار الألماني لودفيج بورخارد تهريبها إلى ألمانيا. وبدأ الحوار بسؤال مباشر لماذا أنت العالم المصري الوحيد الذي يقاتل الألمان من أجل عودة نفرتيتي؟ وأجبته بأنه بعد اكتشاف المصريين لوجود الرأس في ألمانيا وشكوا في طريقة خروجه من مصر تقدمت الحكومة المصرية بطلب إلى النازي أدولف هتلر أثناء الحرب العالمية الثانية حيث كانت علاقة هتلر بالمصريين جيدة للغاية لمعرفته بوقوف المصريين معه ليس حبا فيه وإنما للتخلص من الاحتلال الإنجليزي لبلادهم.. المهم أن هتلر وافق على الفور على عودة نفرتيتي إلى بلدها مصر، وهنا لم يجد مدير متحف برلين في ذلك الوقت سوى أن يلح في دعوة هتلر لزيارة المتحف. وعندما حضر هتلر أخذ مدير المتحف يشرح له تاريخ المعروضات وأهميتها حتى وقف أمام رأس الملكة نفرتيتي وأخذ يقول: «هذه هي الملكة نفرتيتي.. أجمل ملكات الأرض على الإطلاق – زوجة الملك الفيلسوف أخناتون والتي مع الأسف ستغادر ألمانيا وإلى الأبد قريبا عائدة إلى مصر» وهنا انزعج هتلر وقال ولماذا ستغادر ألمانيا؟ فرد مدير المتحف على الفور وقال: «لأن سيادتكم وافقتم للمصريين بأخذها!» وهنا نظر هتلر إلى وجه الملكة الجميل وقال «هي جميلة رائعة بالفعل.. لا لن تغادر ألمانيا.. ستبقين هنا للأبد أيتها الجميلة!!»، وتراجع هتلر لأول وآخر مرة في حياته عن قرار أخذه بالفعل، والغريب أنه قد عرف عنه اتخاذ قرارات في حروبه كلفت آلاف الجنود الألمان حياتهم ولم يتراجع عنها رغم يقينه أنها خطأ. وبعد عشرات السنين على هذه الحادثة تجرأ أحد رؤساء هيئة الآثار على فتح موضوع عودة الملكة الجميلة نفرتيتي إلى مصر مع السفير الألماني وأظنه كان يداعبه فقط ولم يكن جادا في طلبه هذا. أما ما حدث في ذات الأسبوع فكان طرد المسكين من وظيفته.

وسألني الصحافي عن سر عدائي مع فلدونج المدير السابق لمتحف برلين؟ وقلت للصحافي: عندما أرى وأنا في مصر مدير متحف برلين يصور نفسه وهو يحمل أجمل وأندر أثر مصري في العالم على يديه ويستوقف التاكسي ليركبه ومعه الرأس الجميل في تصرف لا يمكن وصفه سوى بالجنون أو الطيش؛ وعندما أراه وهو يحمل الرأس الجميل ليضعه على تمثال برونزي عار حديث الصنع غاية في القبح والتشوه؛ عندما أرى هذا كله يحدث لنفرتيتي فإن ضميري العلمي يحتم علي الدفاع عن الملكة ووقف مهازل الرجل المفترض فيه أنه عالم آثار، لذا نبهت سفارتنا في ألمانيا بما يفعله؛ وخاطبنا علماء الآثار في كل مكان لوقف مهازل الرجل ونجحت في ذلك ولم يجرؤ على لمس الملكة حتى أحيل للتقاعد.

وردا على سؤال لماذا طلبت من ألمانيا أن تعير الرأس لمصر لمدة ستة أو ثلاثة أشهر؟ أجبت بأنني أعلم أن قرار عودة الرأس البديع للملكة لن يتم بين يوم وليلة وإنما سيأخذ سنوات طويلة ولذلك أردت أن نفتتح متحف أخناتون في حضور زوجته الجميلة وأن نجمعهما معا ولو لفترة قصيرة من الوقت لحين إتمام أعمال الاسترداد الدائم للرأس، لكني فوجئت بأمور غريبة تقال وصلت إلى شكوك الألمان أن يبعثوا بالرأس لمدة ثلاثة أشهر بعدها تقوم مليونية حاشدة في ميدان التحرير يرفع فيها المتظاهرون لافتات تقول الشعب يريد بقاء نفرتيتي وبالتالي لا أقوم بإعادة الرأس لهم!! وقلت إنني لست قرصانا من قراصنة البحر الكاريبي لكي أفعل ذلك؛ وإن مصر دائما ما تلتزم بتعهداتها واتفاقياتها وإنما هي حجج واهية لاستمرار غربة الملكة عن وطنها وأهلها بمصر.

أخيرا كان السؤال عن مقالتين كتبتهما سيدة - للأسف مصرية - معروفة دائما بمواقفها الفجة المساندة للألمان في كل أفعالهم حتى إنها حضرت حفل افتتاح متحف برلين الجديد الذي يعرض رأس الملكة المسروق من مصر رغم رفضي أنا - وكنت رئيسها في العمل في ذلك الوقت - لدعوة حضور الافتتاح؛ المهم أنها وبمجرد معرفتها بفراغ منصب وزير الآثار في مصر؛ فوجئنا بها تكتب مقالتين تتباكى فيهما على احتفاظ الألمان برأس نفرتيتي وتطالب بعودته!! وكان ردي على الصحافي هو أننا في مصر نقول لمثل هؤلاء: إن لم تستحِ فافعل ما شئت.