تبديل «مظلة»

TT

هل يعود الجنرال ميشال عون إلى مظلته اللبنانية بعد أن جرب الاتقاء بمظلة الولايات المتحدة ثم فرنسا ثم مظلة صدام حسين فبشار الأسد وأحمدي نجاد؟

دافع العودة يبدو واهيا: معارضة اقتراح قانون لتثبيت عمال مياومين في مؤسسة كهرباء لبنان بعد أن تبين أن أكثريتهم العددية تنتمي إلى طائفة واحدة من طوائف لبنان الثماني عشرة. ولكن أبعاد هذه المعارضة لا تخلو من مؤشرات لافتة، فبين ليلة وضحاها انقلب الحلفاء على تحالفاتهم السياسية والتقى الأضداد على قواسم مذهبية مشتركة.. فانكشفت هشاشة - والأصح ظرفية - التغطية المذهبية الوحيدة المتبقية لسلاح المقاومة «المقدس» في لبنان، أي تغطية تيار الجنرال ميشال عون لما يسمى «الاستراتيجية الدفاعية» لحزب الله.

من حيث الشكل كان يفترض بالمشرع اللبناني أن يتساءل: هل من المنطقي تثبيت العمال المياومين في مؤسسة كهرباء لبنان قبل تعميم الكهرباء على كل لبنان وإعادة التيار إلى بيوت اللبنانيين ومعاملهم 24 ساعة في اليوم؟

لأن لبنان هو لبنان، ولأن المصالح الانتخابية تعلو على أي مصلحة أخرى (والانتخابات باتت على الأبواب) فلا بأس في أن توضع العربة قبل الجواد.. خصوصا أن «العربة» ستتحول إلى «محدلة» إذا جرت الانتخابات وفق تقسيمات القانون المعمول به حاليا.

أما من حيث المضمون، فقد لا تكون «تحفظات» الجنرال عون على حليفه اللدود حزب الله اللبناني (نسبة إلى «ساحة» عمله) مجرد صدفة فجرها خلاف طائفي المظهر بقدر ما هي بداية خروج على «بيت الطاعة» السوري - الإيراني تفرضه حسابات إقليمية، من جهة، وانتخابية من جهة أخرى.

منذ الإعلان عنه عشية الانتخابات اللبنانية السابقة بدا تحالف تيار الجنرال عون (الماروني بامتياز) مع حزب الله (الشيعي بامتياز) تحالف خدمات ظرفية متبادلة بين تجمع علماني تقليدي وآخر أصولي ثوروي أكثر مما هو تحالف قناعات عقائدية أو حتى سياسية.

وإذا كان تصعيد الجنرال عون حملته على الرئيس بري يحرج حزب الله فهو لا يخرجه من حلفه الاستراتيجي والمذهبي معه، مما يوحي بأن القصد من موقف الجنرال قد يكون التمهيد لقطيعة محتملة مع الحزب في وقت لم تعد ظروف المنطقة تسمح «للوسيط السوري» بدفع الحزب إلى تقديم المزيد من التنازلات له.

لذلك لا يبدو توقيت «انتفاضة» عون على حركة أمل وحليفها حزب الله بـ«منأى» عن اعتبارات سياسية واقعية تتجاوز موضوع تثبيت العمال المياومين في مؤسسة كهرباء لبنان إلى موضوع إعادة خلط الأوراق والمواقع الحزبية الداخلية وربما التأسيس لحالة سياسية جديدة في لبنان.

إذا أخذت ذريعة انتقاد تيار عون لمشروع قانون تثبيت المياومين على علاتها - أي ما تلحقه من إجحاف بحصة المسيحيين من الوظائف العامة - يصح الاستنتاج بأن العونيين بدأوا يلمسون حالة «تهميش» لموقع المسيحيين في لبنان باتت تستدعي إظهار الغيرة على مصلحة الطائفة بموقف يعيد الاعتبار إلى زعامة الجنرال عون المسيحية بعدما أصابها من تآكل في أعقاب تفاهمه «التاريخي» مع حزب الله. ويعزز هذا الشعور ما أكدته مصادر مقربة من الجنرال عون عن «جلسات مصارحة» عقدها، بعيدا عن الأضواء، مع بعض أركان تياره أجرى خلالها جردة حساب لما جناه من مكاسب - أو نكسات - سياسية جراء تحالفه مع الحزب.

ولكن هذه الذريعة، وإن صحت، لا تفسر تسريب الخلاف مع حزب الله إلى العلن في هذا الظرف بالذات، فتعيينات مؤسسة كهرباء لبنان ليست المناسبة الأولى التي فشل فيها التيار العوني في تغليب المصلحة المسيحية على مصلحة حزب الله في الدولة (أخفق في تعيين ماروني في منصب المدير العام للأمن العام وأخفق في تعيين مسيحي قائدا لجهاز أمن مطار بيروت وأخفق في حمل مجلس الوزراء على تعيين مرشحه المسيحي لرئاسة مجلس القضاء الأعلى..)، بقدر ما تعكس تنامي قناعة التيار العوني بأن تحالفه مع حزب الله بدأ يتحول إلى عبء سياسي في ظل المتاعب التي تعاني منها المظلة الإيرانية السورية للحزب في الوقت الحاضر. وإذا كانت ثمة مقدرة سياسية يتميز بها الجنرال عون عن سواه فهي مقدرته على تبديل مظلته مع تبدل الأحوال الجوية في لبنان والمنطقة.