دور تركيا في الربيع العربي

TT

هل يمكن أن تلعب تركيا دورا في الربيع العربي؟ الإجابة نعم ولا.

نعم، لأن تركيا قد نمت قوة ناعمة تم اكتشافها حديثا في الشرق الأوسط. وعلى مدار العقد الماضي، وطدت أنقرة نفوذها في المنطقة بشق الأنفس من خلال دعم شبكات عمل وإنشاء مدارس ثانوية متطورة لتعليم النخبة العربية المستقبلية. وقام استطلاع رأي صدر مؤخرا عن «المؤسسة التركية للدراسات الاقتصادية والاجتماعية»، وهي مؤسسة بحثية تتخذ من إسطنبول مقرا لها، بإعداد تقدير للمفاهيم العامة السائدة عن تركيا في الشرق الأوسط. ووفقا للاستطلاع، تبين أن تركيا هي أكثر الدول شعبية في المنطقة.

حدثني صديق عربي قائلا «السواد الأعظم من الناس في الشرق الأوسط ينظرون إلى إنجازات تركيا بوصفها قابلة للتكرار». وأضاف «كانت تركيا في ما مضى مثلنا، وهذا هو سبب حبنا لها، لأن نهجها يوحي لنا بطريق يمكننا أن نمضي فيه قدما». وتهيمن المنتجات التركية على المتاجر عبر بقاع المنطقة، وتقدم المسلسلات التركية شخصيات لنساء متعلمات ومتحررات من مجتمع حديث فعال. ويبدو أن تركيا تقدم نموذجا اجتماعيا جذابا في متناول الجميع، ويزود الربيع العربي تركيا بفرصة لتوسيع نطاق تأثيرها إلى آفاق أبعد.

وإلى جانب انتشار نطاق تأثير القوة الناعمة عبر المنطقة، أظهرت الحكومة التركية تضامنها مع قضايا الشعوب الإسلامية في المنطقة، بتوطيد علاقات قوية بين الأتراك وبعض العرب بصور لم يكن من الممكن رؤيتها إبان حقبة تركيا الكمالية (في عهد مصطفى كمال أتاتورك) ذات الاتجاه الغربي.

في البداية، عني ذلك نأي السياسة الخارجية التركية عن الولايات المتحدة. غير أنه في خضم مخاض الربيع العربي، أدركت أنقرة قيمة علاقاتها القوية بالغرب. وإذا ما أرادت الحفاظ على تأثيرها في الدول العربية، فإن تركيا بحاجة لإثبات، لأن الأمر يتعدى مجرد «دولة يمنية غنية» على سبيل المثال، دولة إسلامية ضخمة مزدهرة من دون قيمة حقيقية مضافة إلى الأمن الإقليمي.

في نهاية المطاف، أدركت تركيا أن أهميتها الاستراتيجية بالنسبة للشرق الأوسط ليست متأصلة في حقيقة كونها قوة إسلامية – تضم المنطقة العديد من تلك الدول – لكن في كونها قوة إسلامية تربطها صلات قوية بالولايات المتحدة ويمكنها الوصول إلى موارد حلف الناتو. كان هذا الإدراك هو المحفز للتحول في السياسة الخارجية لأنقرة. وتجلى أحد الأمثلة على هذا في قرار تركيا الاستراتيجي بالانضمام إلى مشروع الدرع الصاروخية التابع لحلف الناتو في سبتمبر (أيلول) 2011. بالمثل، لا يتمثل أكثر ما يعبأ به العرب في أن تركيا دولة إسلامية، ولكنها دولة ديمقراطية. ووفقا لآخر استطلاع للرأي العام العربي أجراه معهد «بروكينغز»، فإن تركيا هي الرابح الأكبر من الربيع العربي، وقد وقع الاختيار عليها من قبل العرب بوصفها الدولة التي قد لعبت الدور «الأكثر إيجابية» في المنطقة، وكديمقراطية. غير أنه ما زالت هناك تحديات تواجه دور تركيا المحتمل في الربيع العربي. أولا، تواجه تركيا إغراءات الدولة العثمانية. فبفضل معدل النمو الاقتصادي الذي سجل رقما قياسيا خلال العقد الماضي، يشعر الأتراك مجددا بالطابع الإمبريالي. وبالتبعية، أصبح النظام العثماني الجديد بمثابة العدسة السياسية التي يبصر من خلالها كثير من الأتراك سياسات العالم. ويمجد الفيلم السينمائي التركي الذي حقق نجاحا ساحقا (فتح 1453) العثمانيين بوصفهم حكاما محبين للخير، مجسدا اتجاه تركيا لتصوير ماضيها العثماني على أنه النموذج المثالي للحكم.

في واقع الأمر، لا تحاكي نظرة الأتراك الإيجابية للحكم العثماني في الشرق الأوسط ما يتذكره العرب عن الإمبراطورية العثمانية. بالنسبة للعرب، كان العثمانيون هم الأسياد، ولا يرغب أحد في أن يعودوا كأشقاء كبار اليوم. إذا بدأ العرب ينظرون إلى تركيا ككيان عثماني جديد، فربما تواجه أنقرة انتكاسة مع محاولتها قيادة تطورات سياسية في المنطقة. سوف يتمثل آخر تحد يواجه تركيا في إثبات مؤهلاتها كديمقراطية ليبرالية. ومع استمرار الجدل حول صياغة دستورها المدني، تعتبر هذه نقطة غاية في الأهمية على وجه الخصوص. وفي هذا الصدد، يمثل آخر قرار لأنقرة ببدء التعليم باللغة الكردية في المدارس الحكومية خطوة في الاتجاه الصحيح. وهذه الخطوة من شأنها أن تساعد في تخفيف حدة مشكلة الأكراد في الدولة، وأن توفر مزيدا من التنوع داخل تركيا. ولكي تصعد تركيا كقوة إقليمية وتقود الحركة نحو تغيير ديمقراطي، فعليها أولا أن تفوز في المعركة نحو إرساء ديمقراطية ليبرالية على أرض الوطن.

* بالاتفاق مع صحيفة «حرييت ديلي نيوز» التركية