لا تستهينوا بخطورة حملات الإبادة على الثورة!

TT

عندما وصف بشار الأسد ما يحدث في سوريا بـ«حرب حقيقية»، فإنه كان يمهد لاستخدام أوسع للأسلحة الثقيلة في حربه ضد الغالبية العظمى من الشعب، فقد تجاوزت القوات العاملة تحت قيادته حدود طرق التعامل من قبل «جيش احتلال»، ولم يجد الشعب بديلا عن المقاومة بوسائل دفاعية فردية بسيطة، وما يعرض على شاشات التلفزيون من جثث وأشلاء متناثرة لأطفال وشباب كانوا يبحثون عن حريتهم، يظهر مدى القسوة والانحطاط القيمي الفظيع، الذي يتصف به أعداء الحرية والإنسانية.

ومع الحرص على تجنب ما يمكن أن يسبب نوعا من الإحباط، فإن الوقائع تشير إلى أن النظام لا يزال يمتلك عوامل المطاولة، ويشن حملات إبادة «لا يجوز الاستهانة بخطورتها الجدية على الثورة»، وبينما يستمر تدفق السلاح والعتاد إلى مستودعات قوات النظام، فإن تجهيز المعارضين بما يلزم للدفاع الفعال عن المدنيين لا يزال ضعيفا، فحتى الآن لم يطلق صاروخ كتف خفيف واحد على الطائرات التي تقصف المدنيين، وتظهر صور «الجيش الحر» أن نسبة حاملي قاذفات الصواريخ ضد الدبابات لا تزال ضئيلة للغاية، مقارنة بحاملي البنادق، فيما يتعرض المدنيون لعمليات اقتحام متكررة من تشكيلات مدرعة.

وسمعنا كلاما كثيرا من النظام ومؤيديه عما يوصف بتدفق مساعدات خارجية إلى الثوار من معدات القتال، فأين هي المساعدات في عدسات الإعلام؟ السيارات التي نشاهدها في مقاطع الفيديو قديمة ومعدودة وغير محورة لأغراض ميدانية، والسلاح الفردي من صناعة الخمسينات، وملابس الثوار فردية ومستقطع ثمنها من لقمة العيش، وهذا يدل على أن محاولات منع التسلح طبقت على طرف واحد، مما زاد من معاناة إنسانية شديدة الأثر، ورغم ذلك، فإن إرادة التحرر قطعت شوطا كبيرا والثورة تتقدم، بدليل تزايد حالات التحاق ضباط كبار بالثوار، بأرقام تصاعدية كبيرة، وتوقف النظام عن تنظيم تجمعات التأييد، وانتشار الثورة في كل مكان، نتيجة صمود أسطوري لفتية تنطبق عليهم الآية الكريمة «إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى»، وكأنها نزلت فيهم.

ومن المفترض أن يوضح الضباط الذين تركوا جيش السلطة طرق وأساليب النظام القمعية، التي تحول دون حصول عمليات انسلاخ يومية بالآلاف، ووضع الحلول المساعدة في تجاوز العقبات، بغية مساعدة الضباط والجنود على ترك تشكيلات السلطة الغاشمة. ويفترض بالعميد مناف طلاس أن يجعل من خروجه إسنادا مدويا لمصلحة الشعب، وإلا فالخروج، لغرض الفرار أو الاعتزال، لا يليق بمن يريد أن يكون له سجل مميز خلال المحن الوطنية.

وطبقا لما تشير إليه القراءات العسكرية، وما يقوله ضباط غادروا جبهة النظام، فإن لدى الثوار خططا لتوسيع المناطق العازلة التي أقاموها بمواردهم الذاتية، على أساس حشد قوة كبيرة في المنطقة الممتدة من دير الزور شرقا إلى إدلب في شمال الغرب، وشن سلسلة هجمات متداخلة على عشرات النقاط العسكرية على طول الجبهة، باستخدام أسلحة مقاومة الدبابات، لتأمين حماية المدنيين، ولكون خيارات النظام محدودة، فلا أكشف سرا إذا قلت: إن خطوة كهذه يمكن أن تؤدي إلى انهيار سريع للنظام على جبهة واسعة، أو إجباره على دفع قوات مركزية إلى خطوط تماس متباعدة، مما يتسبب في ضعف قبضته في حلب ودمشق وغيرهما، فتتاح الفرصة للشعب وقواه الثورية لتعزيز نقاط التأثير القوي في العاصمة، إلا أن عدم توافر العدد الكافي من أسلحة مقاومة الدبابات يعتبر عقبة أساسية أمام المخططين. ووفقا لما متاح، فإن عمق المنطقة العازلة الواقعة خارج سيطرة النظام تتراوح بين 40 و70 كيلومترا، على قطاعات واسعة من الحدود التركية - السورية، وهي منطقة يمكن أن تشكل قاعدة انطلاق كبرى، لو توفرت صواريخ دفاع جوي محمولة على الكتف وصواريخ مقاومة دبابات.

ما يجلب الانتباه هو أن النظام يعمل منذ أسابيع على تقطيع المدن الثائرة إلى أجزاء محاصرة، ودكها بقنابل الأسلحة الثقيلة والطائرات والصواريخ، والقيام بعمليات اقتحام مدينة بعد أخرى. ورغم أن المدن التي تمكن النظام من اختراقها عادت إلى واجهة الأحداث بعد تحرك قواته إلى مناطق أخرى، فإن هذا الأسلوب يشكل خطرا لا يستهان به على الثورة، مقابل ضعف الدعم المباشر الذي يتلقاه الثوار، وإذا ما استمرت الأوضاع على ما هي عليه، فستكون النتائج محفوفة بالمخاطر.