سوريا: المفترق الأخير

TT

كوفي أنان في طهران ومناف طلاس في باريس وميشيل كيلو في موسكو. لا أحد في مكانه المألوف. وموسكو تدفع بأسطولها من البحر الأسود إلى طرطوس لكنها تعلن حجب بقية الأسلحة عن حليفها المتبقي، النظام السوري. وللمرة الأولى تعترف برمز أعدائه رافع شرط ذهاب بشار الأسد كمدخل إلى الحوار، أي المجلس الوطني، الذي يرأسه ناشط كردي مع أن الوفد الكردي انسحب منه.

الفقرة التالية: كوفي أنان ممثل الغرب الذي لا يريد إيران والعرب الذين تزعجهم رؤيتها حتى في الحلم. ومناف طلاس هو أحد أعمدة النظام التي صار انزياحها من مكانها يسهل انهياره. وميشيل كيلو هو المفكر الشيوعي السابق الذي لم يصل إلى بلاد لينين إلا بعد سحب جثمانه من صالة العرض في الساحة الحمراء.

مقابل هذه اللوحة يجد الرئيس السوري ما يكفي من الوقت لإعطاء مسلسل من المقابلات الصحافية المطولة، التي يكرر فيها أن لا شبه في أنظمة السقوط. وبذلك يمكن وضع كل عناصر المشهد الإقليمي والدولي ودمشق تحت عنوان واحد: البقائية. كيف تبقى مهمة أنان على قيد الحياة؟ وكيف تبقى طهران كحبل السرة في المشرق؟ وكيف تبقى روسيا في مياه المتوسط؟ وكيف تبدو من جديد، ندا للدولة التي هدت نظامها الآيديولوجي وطردتها من شرق أوروبا، ووحدت في وجهها ألمانيا التي قتلت 12 مليون روسي قبل أن ينسحب هتلر إلى خندق الانتحار في برلين، ومعه مجنونه غوبلز وأطفاله؟

الشعب السوري هو الوحيد الغائب في الصورة. ما بين ابتسامة أنان وبلاغة صالحي الهارفردية وإسهال لافروف الشفهي، يغيب عدد ضحايا السوريين، إلا في الإحصاءات اليومية. وقد تصدرت أرقام الموت مقدمات الأخبار إلا يوم جلس الدكتور الكتاتني يشرح كم يحرص على القضاء والقانون. وقد نسي سعادته تفصيلا بسيطا: أنه يجلس، بكامل تفسيراته، فوق أنفاس القانون ورئة القضاء.

يهدد وزير خارجية إيران «أمن المنطقة وربما العالم». وقد هدد النظام السوري، بجميع ناطقيه، أمن العالم أيضا إذا ما تعرض لبقائه أحد. وكلما حاول أحد أن يطرح سؤالا على طهران النووية ردت بأن مضيق هرمز سوف يغلق وأساطيل العالم سوف تغرق. وعلى هذه الفصاحة ترد المسز كلينتون بقول صار مأثورا: أيام معدودة بقيت من عمر النظام.

لا كلام ولا وعود عن أعمار السوريين المرشوشة على جدران الموت. اسمحوا لي أن أذكر جنابكم بأول مقال كتبته عن سوريا في هذه الزاوية: سوريا مفترق وليس بلدا. الجميع يعاملها هكذا، وهذا طبيعي في توحش السياسة والمصالح. لكن المفزع أن يعاملها النظام أيضا كمفرق لا كوطن أو شعب بشعبه.