مفاجأة تونس ومفاجأة ليبيا

TT

المفاجأة الأولى كانت في بلاد المغرب العربي: مظاهرات التذمر تبدأ في الجزائر، حيث النقد العلني للنظام يملأ الصحف، التي تتمتع بحرية واسعة، ومهنية معروفة. إضافة إلى هذا العامل كان هناك السر المعلن في الجزائر منذ التسعينات، وهو أن «الإخوان»، تحت تسميات وبدرجات مختلفة، يشكلون قوة مهمة.

خبت مظاهرات الجزائر من دون مواجهات أو نتائج تذكر، وحدثت المفاجأة المتدحرجة في تونس، حيث كانت الصحافة مليئة بالحشو الفارغ، والحرية الوحيدة المعطاة لها هي نقد نقص المياه في المحافظات. وكان «الإخوان» مع اختلاف التسميات وتفاوت الدرجات، مقموعين في الداخل وملاحقين في الخارج. إضافة إلى ذلك كانت تونس معروفة بصلابة المجتمع المدني، الذي تطلق عليه الآن ألقاب لا علاقة لها بحقائقه، كالعلمانية والليبرالية.

انتظروها من المشرق فجاءت من المغرب. بدأ كل شيء في أكثر الأنظمة إحكاما وأكثر المجتمعات انفتاحا وأول بلدان المغرب تعليما. من تونس.. في المغرب.. بدأت موجة «الإخوان» التي سميت، قبل الاقتراعات، «الربيع العربي»، والـ«فيس بوك»، وثورة «تويتر»، و«وائل غنيم». ثم جاء دور الانتخابات فتبين أنها «ربيع الإخوان»، وانتهى زمن المفاجآت. أو هكذا خيل إلى الجميع.

غير أن مفاجآت بلاد المغرب العربي لا نهاية لها. بتبدل سيل المد في أقل البلدان توقعا. ففي ليبيا شديدة المحافظة، التي لجأت من القذافي إلى التدين تماما كما فعلت أيام الطليان والجنرال غراتسياني، فاز في الاقتراع الفريق الذي يسمى، تجاوزا واقتضابا، العلمانيين والليبراليين. ولا ينطبق هذا التعريف أو ذاك، بمفهومه الغربي، لا على «ليبراليي» ليبيا ولا على سواهم من «علمانيي» العرب، الذين في أكثريتهم الساحقة هم مؤمنون ملتزمون لكنهم يميلون إلى المجتمع المدني في الممارسة السياسية.

عندما يستقر الوضع في ليبيا سوف نعرف ماذا يعني محمود جبريل وحلفاؤه السياسيون بالليبرالية. وكان أول خطاب ألقاه رئيس المجلس الوطني مصطفى عبد الجليل قد تحدث فيه عن العودة إلى تعدد الزوجات، من أجل أن يقول لليبيين وللعالم، إن «الإسلام» الذي حكم باسمه القذافي لم يعد قائما، وإن ليبيا عادت إلى جذورها.

يومها كان محمود جبريل رئيس المكتب التنفيذي، أي يعادل رئيس الوزراء، في الحكم الانتقالي.

«ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا/ ويأتيك بالأخبار من لم تزود».. سوف نعرف ما هو مفهوم «الإخوان» للحكم، وقد بلغوه، وكيف سيتعاملون مع مفاهيم الحياة ومرافق البشرية، كما سنعرف ما هي حدود وآفاق ومفاهيم «الليبراليين» العرب للتوأمة بين العراقة والحداثة، وبين الإرث والمستقبل. وسوف يكون لكل فريق تعثره وتجاربه، كما سوف يكون من يتربص به ومن يتضايق من نجاحاته أو يفرح لفشله.

وللمرء فقط أن يأمل بشيء واحد: أن يتذكر كل فريق، في مكانه، أن العنف هو أغلظ أنواع الحلول. لقد عانت الأمة ما يكفي عن جميع الأمم.