موسكو والجامعة والجدار

TT

من ناحية، يبدو الأمر متوقعا: إنما تقف روسيا، بالفيتو والأساطيل ومؤتمرات لافروف وقمم صاحب الوجه القطبي، إلى جانب حليف قديم، ونظام هو آخر متعاقد مع موسكو، باستثناء هوغو شافيز وراول كاسترو. لكن من ناحية أخرى، لا يهم أحدا الالتفات إليها، فإن موسكو لا تؤيد دمشق بل تعادي الجامعة العربية بالإجماع، دولة دولة وموقفا موقفا. ولم يبدر عن لافروف حتى اللحظة خطوة أو كلمة أو إيماءة تدل على أن بلده يأخذ، في أي اعتبار، الإجماع العربي أو المدن السورية المدمرة أو المقابر الفائضة بالمدافن الجماعية.

كيف تبني الجامعة دبلوماسيتها؟ هل اتكلت على كوفي أنان وانتهى الأمر، أم أن ثمة دورا يمكن أن تلعبه في موسكو للحد من حمام الدم السوري وإقناع روسيا بأن في الدنيا أيضا أدوارا خيرة ونصائح طيبة وليس فقط دحرجة برميل الكبريت على صدر الأمة من الأمم المتحدة إلى ميناء طرطوس.

من يقصد الضابط بوتين أن يهين في إرسال البوارج خلف بعضها البعض إلى طرطوس؟ إنه لا يرسل سفنه الحربية لحماية سوريا من إسرائيل، «فالعدو أصبح في الداخل» كما أعلن الرئيس بشار الأسد. ضد من هذه العراضة المسلحة إذن؟ ضد من هذا التحدي الجليدي ما بين البحر الأسود والبحر الأزرق؟ هل صداقة النظام هي التي تحرك المشاعر النبيلة في صدر الكرملين؟

ماذا يفعل النظام عندما يكتشف غدا أن محرضيه كانوا يدفعون به إلى الهاوية من أجل أنفسهم فقط وليس من أجله أبدا. من أجل قاعدة روسيا البحرية وقاعدة إيران البرية وخوف الصين من أن يأتي ربيعها من العالم العربي، بعدما كانت هي التي كانت تصدر إليه أفكار ماو، وتلقن «ثواره» العرب دروس الإبادة الجماعية.

كان في إمكان الجامعة العربية أن تقصر مأساة سوريا بشيء من الضغط على جليد الكرملين. أن تبلغ قاطنيه أن الفيتو ليس ضد أميركا بل ضد 17 ألف سوري. وأن تقول للكرملين إنه ليس من المعقول أن يضع طرطوس في كفة ومجموع مصالحه في العالم العربي في كفة أخرى. وكان في الإمكان لفت نظر ضابط الدبلوماسية الروسية إلى أنه ليس من اللائق أن تكون أول زيارة في رئاسته الجديدة إلى إسرائيل ونتنياهو وليبرمان. انتبه قليلا إلى سلوكك، كان في إمكان الجامعة أن تقول لصاحب الوجه المشدود. أن تطلب من مدير مكتبها هناك العودة إلى القاهرة «للتشاور»، ولو رد الروس بمنعه من العودة. كم سيبدو الأمر محزنا ومتأخرا عندما يكتشف النظام السوري ماذا فعل به - ولسوريا - النظام الروسي، العديم الآفاق، الذي لم يخرج من مدرسة الكي جي بي في ألمانيا الشرقية، الذي لم يتعلم شيئا من أمثولة جدار برلين على الرغم من أن حجارته سقطت أولا على رأسه.