ماذا أرادت الرياض أن تسمع من «مرسي»؟!

TT

في اللحظة التي جرى فيها إعلان فوز الدكتور محمد مرسي، بمنصب رئيس الجمهورية، في 24 يونيو (حزيران) الماضي، ثار سؤال مهم: إلى أين سوف تكون الرحلة الخارجية الأولى، للرئيس الجديد، ومتى، ولماذا؟!

أما «إلى أين» فالسؤال كان له ما يبرره، لأن دولا كثيرة، كان من الممكن أن تكون هي مقصد الرئيس المنتخب، وكان من السهل، عندئذ، وأيا كان اسم تلك الدولة، التي لم يكن أحد يستطيع أن يخمن اسمها في ذلك الوقت المبكر.. أقول إنه كان من السهل أن يعثر المؤيدون لزيارتها على مبررات معقولة تجعلها «الأولى بالزيارة» على غرار مبدأ «الأولى بالرعاية» المعمول به بين الدول.

وأما «متى» فهو سؤال كان في محله تماما، لأن الرئيس مرسي أمامه من المشكلات في مصر، ما يمكن أن يشغله عن نفسه لعقود من الزمان قادمة، وليس عن العالم فقط.. ولم يكن أحد يتصور، بالطبع، أن تكون زيارته الأولى التي جرت للسعودية، يوم الأربعاء الماضي، بهذه السرعة.. فقد كان، ولا يزال، في الوقت متسع، لكي يفكر «مرسي» بهدوء، في جدول أولويات زياراته الخارجية، فضلا عن أن الأزمة التي نشبت بينه وبين القضاء، الأسبوع الماضي، كانت كفيلة من حيث حدتها، بأن تجعله يؤجل كل شيء، ويبحث لها عن حل، لأنه طرف مباشر فيها!

على كل حال، زار الرجل السعودية، ثم عاد وهو يتكلم عن أن الزيارة أكدت أن القاهرة والرياض سوف تظلان حاميتين للإسلام الوسطي السني، وأن ما بين العاصمتين لا تفسده أزمات عابرة، وأنهما الدولتان الأكبر في المنطقة، وأن توافقهما حول مشكلات المنطقة، ومعها الإقليم، مهم لكلتيهما، وأن.. وأن.. إلى آخر الكلام الذي يقال عادة في مثل هذه المناسبات، ويكون كلاما دبلوماسيا أكثر من أي كلام آخر.

ولكن.. هذه المرة، المسألة تختلف، لأن الرئيس مرسي، إذا كان قد ذهب يبحث مع الملك عبد الله ما سوف يكون مستقبلا، بين الدولتين، سياسيا، واقتصاديا، فأغلب الظن أن السياسة كانت ضاغطة، في جلسات المباحثات بينهما، وكانت حاضرة، في أجواء هذه الجلسات، أكثر من الاقتصاد، رغم أن هذا الأخير، يضغط على الرئيس مرسي، ويؤرقه، ويطارده في يقظته، وفي منامه.

الدكتور مرسي كان قد طرح، حين كان لا يزال مرشحا رئاسيا، «مشروع النهضة» الشهير، وهو مشروع يراهن صاحبه على تحقيق انتعاش اقتصادي في البلد، في أمد زمني منظور، وسوف يكون على صاحب البرنامج، والحال كذلك، أن يسعى إلى تطبيقه، وأن يجسده على الأرض أمام الناس، ليشعر المصريون، وخصوصا ذوي الحاجة منهم، بأن الثورة قد صار لها عائد حقيقي في حياتهم، وأن المرشح الرئاسي، الذي قال في أوقات الحملات الانتخابية إنه مرشح الثورة، قد أوفى بوعده، وحقق لهم ما كان قد قطعه على نفسه، من وعود.. وإلا.. فإن صندوق الانتخابات موجود، وسوف يكون للناخبين رأي آخر، في الدكتور مرسي، عند أقرب انتخابات.

أكثر من هذا، فإن الرئيس مرسي، حدد لنفسه خمسة أهداف عاجلة يحققها للناس، خلال المائة يوم الأولى من حكمه، وهي أهداف تبدأ بحل مشكلة المرور، وتمر بمسألة توفير رغيف «عيش» آدمي للفقراء، وتنتهي بحكاية «النظافة» التي تمثل - للأسف - تحديا لدى عدد من محافظات الجمهورية، و... و... إلى سائر الأهداف الخمسة المعلنة، والمعروفة.

هذه كلها، اقتصاد في اقتصاد، إذا صح التعبير، وتحتاج من الرئيس الجديد، الذي ربما لم يعد جديدا، أن يحسن - أولا - تدبير ما عنده من ثروات، ليوفر ما يطمح إليه من موارد، ثم قد تحتاج منه - ثانيا - أن يطلب مساعدات الدول التي يظن أنها لن تخذله، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية بطبيعة الحال.

ولكن أيضا.. هناك على الجانب الآخر، حكاية السياسة في الإقليم الذي نعيش فيه، بكل أبعادها، وتعقيداتها، وتقاطعاتها، وفي القلب منها علاقة المستقبل بين القاهرة وطهران.

وليس سرا، أن هذه العلاقة بالذات، تثير هواجس كثيرة، لدى دول الخليج مجتمعة، وعلى رأسها السعودية، ليس لأن دول الخليج الست تريد من مصر أن لا تكون لها علاقة بإيران، ولكنها تريد أن لا تكون هذه العلاقة على حساب أمن الخليج، أولا، وعروبته، ثانيا، وأمننا القومي العربي في إجماله، ثالثا.

وكان من سوء حظ الدكتور مرسي، أن وكالة الأنباء الإيرانية، قد بثت حوارا معه بعد فوزه بساعات، قال فيه كلاما أقل ما يوصف به أنه أثار مخاوف في الخليج، ورغم أنه راح يكذب الحوار، على لسان المتحدث باسمه، فإن الوكالة الإيرانية صممت على أن الحوار مع الرئيس المصري قد جرى، وإن قال إنه عاد وكأن القصة على بعضها كانت مقصودة، من جانب تلك الوكالة، بهدف محاولة إفساد علاقة راسخة، بين بلدين في حجم مصر، وفي حجم السعودية.

هذا بالطبع يعيد تذكيرنا، بواقعة مماثلة تماما، عندما كان نبيل العربي، الأمين العام للجامعة العربية، قد أطلق تصريحات قريبة مما جاء في الحوار المزعوم بين الوكالة الإيرانية والرئيس مرسي.. وقتها، كان «العربي» أول وزير خارجية لمصر بعد ثورة يناير (كانون الثاني) 2011، وكان متحمسا بأكثر من اللازم في تصريحاته إياها، وكان يبدو منها أنه وهو يطلقها، لم ينتبه إلى أن عليه أن يراعي ثوابت محددة، في علاقة بلاده بدول الخليج، وأن لا يقفز فوقها، مندفعا في اتجاه طهران.

ولم يكن أمام الدكتور عصام شرف، رئيس وزراء مصر في حينها، إلا أن يقوم بجولة خليجية، زار خلالها السعودية وبعض دول الخليج، وراح في كل عاصمة يطمئن إخواننا هناك، بأن أمن الخليج العربي، بالنسبة لمصر، خط أحمر، وأن القاهرة لا يمكن أن تتغافل عن ثوابت علاقاتها مع عواصم الخليج، وأن العلاقة بين بلده وإيران، إذا أريد يوما لها أن تعود إلى مستوى العلاقات الطبيعية، فلن يكون ذلك على حساب ما هو ثابت، وراسخ، ومستقر، في علاقاتنا كمصريين، مع الخليج العربي.

شيء مما فعله الدكتور عصام شرف في وقته، وكان ذلك قبل عام تقريبا، كان لا بد أن يفعله الرئيس محمد مرسي، مع فارق مهم، هو أن التصريحات التي سببت لبسا، وأثارت شجنا، وحركت خوفا، لم تكن قد أتت هذه المرة، من وزير خارجية انفعل، كما حدث مع نبيل العربي، وإنما جاءت من الرئيس نفسه، بصرف النظر عما إذا كان الحوار معه، من الوكالة الإيرانية، كان مفبركا، أو كان صحيحا.. فالباقي، أن تصريحات صدرت عن الرئيس المصري، وأن الطرف الآخر استغلها على غير ما يجب، وأن تكذيب المتحدث باسم الرئيس لها لم يفلح في تبديد ما خلفته وراءها من شوائب في الخليج عموما، وفي السعودية خصوصا.

أظن، أن الرياض كانت تريد أن تسمع من الرئيس مرسي، حقيقة موقفه، من علاقاته، كرئيس لمصر، مع إيران، وأنها كانت أيضا تريد أن ترى ما إذا كان يفكر، وهو يتكلم معهم، كرجل دولة، أم أنه سيفكر من خلال منظور «جماعة» انتمى إليها مرحلة طويلة من حياته.. وفي الحالتين، لا تثريب على الدكتور مرسي، في ما مضى، فالمهم، اليوم، أن يقيم علاقات بلاده، مع إيران، إذا أقامها، على أساس من الالتزام بأمن الخليج وعروبته، وأن يفصل فصلا كاملا بين محمد مرسي، قيادي «الجماعة» في ما مضى، وبينه رئيسا لدولة كبيرة، في ما هو مقبل!