مسعود بارزاني.. تكريس الهيمنة

TT

مسعود بارزاني رئيس إقليم كردستان وأحد أبرز الداعين لمنع نشوء دكتاتورية في العراق، يصر على أن يعلن تشكيل مجلس للأمن الوطني في إقليم كردستان، فالمادة 110 من الدستور العراقي لعام 2005 نصت على أن أمن البلد من اختصاص السلطات الاتحادية حصريا، وهذا المجلس بكل تأكيد يتعارض مع الدستور من جهة ومن جهة ثانية يمثل تصعيدا لا مبرر له في ظل ورقة الإصلاح التي يعدها التحالف الوطني لتجاوز الكثير من الأمور، ونحن هنا نسأل عن دواعي تشكيل هذا المجلس من حيث اختيار التوقيت خاصة بعد فشل مشروع سحب الثقة وترنح القوى الداعية للاستجواب وتصاعد الرغبة الشعبية بانتخابات مبكرة تزيل الكثير من الأشخاص عن مقاعدهم؟

إن هذا بكل تأكيد يعكس رؤية البعض بخلق مزيد من الأزمات أو افتعالها، خاصة أن الجميع يعرف جيدا أن الدستور العراقي يحدد صلاحيات الحكومة الاتحادية في مجالات الدفاع والأمن والخارجية والسياسة النقدية وإدارة المنافذ الحدودية والمطارات وإدارة ثروات البلد ومنها النفط والغاز وحصرها في الحكومة المركزية في بغداد.

وإن أحكام الدستور ‏واضحة بشأن الإقليم ‏وصلاحياته كما حددها ‏الدستور وفق المادة ‏‏120 البند الخامس، حيث ‏يقوم الإقليم بوضع دستور له ‏يحدد هيكل سلطات الإقليم ‏وصلاحيات وآليات ممارسة ‏هذه الصلاحيات على ألا ‏يتعارض مع الدستور، وحيث ‏إن الإجراء الذي قام به ‏الإقليم يتعارض ويتقاطع مع ‏أحكام الدستور فهو يعد باطلا ‏من الناحية الدستورية ويمثل خرقا واضحا بل يتعدى ذلك لأنه يؤسس لدولة داخل الدولة.

وبالعودة للمجلس المشكل في كردستان، يمكننا القول بأن توقيته يحمل غايات عديدة ويؤكد ما تحدثنا به سابقا من أن البعض ما زال يبحث عن أزمات يصعد من خلالها الموقف رغم حالة الانفراج الكبيرة التي شهدتها الساحة السياسية العراقية مؤخرا وجنوح الكثير من القوى لطاولة الحوار التي تمثل الطريق الصحيح الذي يخدم المواطن العراقي سواء أكان في شمال الوطن أو جنوبه مرورا بكل المحافظات العراقية، ولعلنا هنا نؤشر لرفض البعض من الجلوس للحوار يمثل حالة هروب من مواجهة الكثير من الخروقات الدستورية ليس في تشكيل مجلس للأمن فحسب بل في أمور أخرى كثيرة أبرزها عقود النفط والمنافذ الحدودية.

ولكن علينا أن نقول بأن ما أقدم عليه مسعود بارزاني يمثل خطوة الخائف من المستقبل، خاصة أن تحالفاته بدأت تنهار وتوشك أن تولد تحالفات كردية جديدة ترفض الأوضاع الحالية الموجودة في كردستان الذي وجد نفسه في وسط معركة وصراع لا ناقة له فيه ولا جمل وفقد صفة بيضة القبان التي حرص مام جلال (جلال طالباني) على وجودها في العقلية السياسية الكردية بعد 2003، صراع من شأنه أن يهدد أمن كردستان ويهدد مصالح شعبه، خاصة أن هنالك رؤى جديدة بدأت تظهر في المشهد السياسي العراقي بصورة عامة والكردي بصورة خاصة، لهذا فإن ما يقوم به السيد بارزاني يمثل قمة ما يمكن أن يتسلح به الخائف لمواجهة قادمة مع خصومه، خاصة أنه يؤمن بالحل الأمني وليس الحوار وهذا ما يمكن استنتاجه من تشكيل المجلس الأمني، فهو غير مستعد لأن يفرط في الزعامة التي ورثها ويريد أن يورثها لمن بعده.

وإننا نستغرب من تصريحات البعض بأن تشكيل مجلس للأمن في كردستان شأن داخلي لا ينبغي للحكومة الاتحادية التحدث عنه! ومبعث الاستغراب يكمن في أن البعض يحاول تفسير الدستور على هواه وبما يتناسب ونهجه، متناسيا أن إقليم كردستان جزء من العراق وليس دولة منفصلة عنه حتى يعتبر الحديث عن خروقاته الدستورية تدخل في شؤونه الداخلية! وإن الدستور العراقي مثلما أعطى لكردستان حقها في أن تكون إقليما واحترم المشرع العراقي واقع حال منطقة كردستان قبل عام 2003 فإنه في المقابل منح الدولة العراقية سيادتها الكاملة في تنظيم العمل سواء في حفظ الأمن الخارجي والحدود أو غيرها من الأمور التي يجب أن تكون حاضرة عند الجميع لأنها تمس السيادة العراقية ووحدة العراق أرضا وشعبا. وهذا يدعونا لأن نطالب القوى السياسية في العراق لتحديد موقفها من هذه الخروقات.

وأيضا نستغرب من تصريحات بارزاني عن دكتاتورية المالكي ونجده في نفس الوقت يعين نجله الأكبر مسرور على رأس هذا المجلس وهو ما وصفته المعارضة الكردية بمثابة خطوة تؤسس لنظام دكتاتوري خاصة أن برلمان كردستان لا سلطة له في مراقبة ومحاسبة التشكيل الأمني الجديد وما عليه سوى توفير ميزانية له لا أحد يعرف من أين ستستقطع.