معركة غير متكافئة مع ذبابة

TT

قبل عدة أيام ركبت سيارتي منحدرا من جبال الهدا الشاهقة في الطائف، متجها بأمان الله إلى جدة، كانت معنوياتي مرتفعة جدا، وأكبر دلالة، أن (السي دي) تصدح بأعذب الألحان التي يحبها قلبي، كعادتي تقريبا.

وإذا (بذبابة) متعافية تستعرض أمامي ذهابا وإيابا تكاد تحول عيني، وكنت بين خيارين أحلاهما مر، إما أن أتفرغ للقضاء عليها، أو أنتبه للطريق المتعرج الخطر، ولهذا آثرت السلامة وانتبهت وركزت على الطريق، مفسحا المجال للذبابة كي تأخذ راحتها على هواها.

ويبدو لي أن الحكاية حليت لها أكثر وأكثر، ففردت عضلاتها أو أجنحتها بمعنى أصح، وأخذت تتراقص أمامي، ثم تنقض على خدي وإذا هششتها بيدي طارت ثم حطت على خشمي، وإذا عطست محاولا إخافتها طارت ثم عادت وكادت تدخل في عيني، استمررت معها على هذا المنوال ما لا يقل عن نصف ساعة، وكأنه يوم كامل.

وعندما انتهيت من نزول الجبل واستوت السيارة على البراح، تناولت زجاجة (الكولونيا) الليمونية التي لا تفارق سيارتي فرششتها بها على أمل أنني بذلك سوف أقضي عليها، غير أنني بفعلتي تلك قد زدت نشاطها أكثر وأنا لا أدري، لأنها أصبحت عدوانية إلى درجة لا تصدق، وخوفا مني على نفسي ابتعدت عن الطريق، وأوقفت السيارة وفتحت الأبواب الأربعة محاولا إخراجها بالتي هي أحسن، ولكن دون جدوى لأني اكتشفت أن الخبيثة تختبئ تحت المراتب، فما كان مني إلا أن أستسلم وأعود للقيادة مرة أخرى، ولاحظت أن الأمور هدأت تقريبا فحمدت الله، وفي هذه الأثناء رن (جوالي) باتصال من أحد الأصدقاء، وأخذت أتجاذب معه أطراف الحديث، وفجأة وإذا بالذبابة ما غيرها تكاد تدخل في منخاري، فصحت لا شعوريا قائلا أرجوك يا سخيفة ابتعدي عني، لا تلتصقي بي، فقال لي الصديق وهو لا يدري عن مشكلتي: من هي التي معك بالسيارة يا مشعل، عيب عليك فأهلك مثلما أعلم مسافرون؟!، أإلى هذا الحد وصل بك (التهتك)؟!، قلت له: أرجوك لا تفهمني غلط، فالتي معي هي (دبانة)، وما إن سمع جوابي حتى قال لي: الحمد لله على صحة العقل، ثم أغلق الخط بوجهي.

فما كان مني إلا أن أفتح نوافذ السيارة الأربع ومعها أيضا فتحة السقف، وأزيد بالسرعة إلى الحد الأقصى، إلى درجة أن شماغي وعقالي طارا من شدة الهواء المتصافق، كل هذا من أجل أن تطير تلك الدبانة وتختفي منها، وما إن وصلت إلى حاجز التفتيش حتى قال لي الشرطي: لو سمحت توقف على جنب، فتوقفت، وطلب مني الرخصة والاستمارة وأعطيتهما له، فسألني: هل أنت مجنون؟!، فذهلت من سؤاله قائلا له: لماذا؟!، قال لي: إن جهاز السرعة ضبط أن سرعتك كانت تزيد على (170) كيلومترا في الساعة، وأردف قائلا ما الذي أرغمك على هذا التهور؟!، فقلت له: الذبابة، فانفجر ضاحكا، ونادى على زميله قائلا: تعال اسمع ما يقول هذا المهبول، لم يرد عليه زميله، غير أن ذلك الشرطي كتب لي وهو يضحك قسيمة مخالفة بـ(300) ريال، فأخذت منه القسيمة صاغرا ومتألما، وما إن تحركت بسيارتي، وإذا بالذبابة الشيطانية تنطلق بكل مرح خارجة من النافذة، وكأني بها تمد لي لسانها، وتحرك يديها الاثنتين خلف أذنيها.

[email protected]