غرائب العلاقة الوطيدة بين الولايات المتحدة وباكستان

TT

لماذا انتظرت واشنطن أكثر من 7 أشهر كي تعتذر عن مقتل 24 جنديا باكستانيا؟ إنكم تعلمون الإجابة: لأن الولايات المتحدة وباكستان توجد بينهما علاقة «صداقة» هي الأكثر تعقيدا وتبادلا للأذى في العالم.

وقد نطقت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون أخيرا بالكلمات السحرية أثناء مكالمة هاتفية جرت يوم 3 يوليو (تموز) مع نظيرها الباكستاني، قائلة له: «نحن نأسف للخسائر التي حدثت في الجيش الباكستاني». وهو اعتذار فاتر حقا، ولكنه يكفي كي يوافق الباكستانيون على إعادة فتح معابرهم الحدودية مع أفغانستان، التي ظلت مغلقة منذ الهجوم غير المقصود الذي وقع يوم 26 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وهذه القصة أغرب حتى مما تناقلته الأنباء، فقد توصلت إدارة الرئيس أوباما إلى قرار مبدئي بالإعراب عن أسفها منذ أشهر، لكنها امتنعت عن ذلك بعد أن اضطرت إلى الاعتذار عن خطأ فادح آخر، وهو واقعة حرق نسخ من المصحف داخل قاعدة باغرام الجوية يوم 22 فبراير (شباط) الماضي، ثم تم إرجاء الاعتذار مرة أخرى حينما نصحت وزيرة الخارجية الباكستانية، حنة رباني خار، بضرورة تأجيله حتى انعقاد الدورة القادمة للبرلمان الباكستاني.

وكم كان سيصبح من الجيد لو كانت حالة تأجيل الاعتذار هذه مثالا غير معتاد على حالة غياب الثقة بين الجانبين الأميركي والباكستاني، لكنها للأسف برهان ساطع على السمة الغريبة جدا في هذه العلاقة، وهي أن البلدين يتحدثان عن التعاون الاستراتيجي في شهر من الشهور ثم يتحدثان عن العداء في الشهر الذي يليه، وهما يزعمان أنهما حليفان في الحرب على الإرهاب، ومع ذلك تقوم الأجهزة الاستخباراتية لدى كل طرف بتنفيذ عمليات يعتبرها الطرف الآخر عدائية.

وقد كانت إحدى حلقات الوصل الفعالة في هذه العلاقة المعقدة سفير باكستان السابق في واشنطن، حسين حقاني، الذي حاول أن يمد جسور الحوار عبر نهر الشك، كما حاول أن يكون ممثلا للحكومة المدنية الضعيفة، في مقابل الجيش الباكستاني المهيمن. ولكن ماذا جنى حقاني في مقابل ما تجشمه من عناء؟ لقد تم عزله من منصبه بعد اتهامه بالخيانة، وهو يعد نفسه حاليا للتدريس في جامعة بوسطن الخريف القادم، وهو أمر جيد بالنسبة للطلاب هناك، ولكنه خسارة كبيرة بالنسبة لباكستان.

وحينما ننظر إلى الوراء لنطل على السنوات القليلة الماضية من هذه العلاقة، فإن ما يلفت النظر هو كيف يبدو البلدان دوما غير راضيين ولديهما إحساس بعدم التقدير وإساءة المعاملة، ولكن نظرا لأن القطع الصريح للعلاقات لا يناسب كلا الطرفين، فإنهما يتحاشيان الوصول إلى قطيعة نهائية. إلا أن هذا الشعور السيئ تفاقم وتحول إلى شيء خفي وعميق.

وإذا أردتم أمثلة على مدى الجنون الذي قد تصل إليه هذه العلاقة، انظروا إلى المرتين اللتين حاول فيهما الرئيس أوباما إيصال رسالة - بطريقة ما بين الالتماس والمطالبة - بضرورة أن تبدي باكستان تعاونا أكبر في محاربة تنظيم القاعدة وحركة طالبان، وفي كلتا المرتين كانت المحصلة صفرا. فقد أرسل أوباما خطابا رئاسيا سريا بتاريخ 11 نوفمبر 2009 قال فيه: «يجب أن نعثر على طرق جديدة أفضل للعمل معا على تعطيل قدرة (المتطرفين) على التخطيط لهجمات ضد أهداف في باكستان والمنطقة المحيطة وخارجها - بما في ذلك الولايات المتحدة - حتى يمكننا في النهاية القضاء على تنظيماتهم».

وأغلب الظن أن من كتب الرد الذي جاء من الرئيس آصف علي زرداري هو الاستخبارات الباكستانية، حيث استهل الرد بعبارة: «دعني في البداية أؤكد مجددا وبوضوح عزم الشعب الباكستاني على محاربة الإرهاب واجتثاثه من جذوره»، إلا أنه تحول بعد ذلك إلى ادعاء جامح بوجود «حرب بالوكالة تدعمها الهند وتستخدم فيها أجهزة استخبارات مجاورة الأراضي الأفغانية من أجل ارتكاب أعمال العنف في باكستان».

ويقال إن حقاني حذر إسلام آباد من أن توجيه رد باكستاني متناقض سوف يعتبر غير مقبول، إلا أن الرسالة على ما يبدو لم تصل.

ثم التقى أوباما في البيت الأبيض يوم 20 أكتوبر (تشرين الأول) 2010 برئيس أركان الجيش الباكستاني أشفق برويز كياني، وطبقا لإحدى الروايات، فقد حذر أوباما من أن «الثقة لا تأتي بين يوم وليلة، ولكن لا بد أن تأتي، وإلا فسوف يحدث تصادم بيننا». وفي ما يتعلق بالتهديد المزعوم الذي يشكله التقارب الأميركي مع الهند، قال أوباما بوضوح: «استخباراتكم مخطئة. إنكم تسمعون من رئيس الولايات المتحدة أن الولايات المتحدة تريد باكستان قوية ومستقرة».

فماذا كان رد كياني؟ لقد سلم أوباما مذكرة من 14 صفحة بعنوان «وجهة نظر باكستان»، ذكر في الجزء الختامي بها: «باكستان تتحول إلى كبش فداء، والولايات المتحدة (متطفلة) و(مسيطرة)، فهي تريد أن تتدخل في كل صغيرة وكبيرة. الولايات المتحدة تخلق وتغذي حالة من الفوضى الموجهة في باكستان. الهدف الحقيقي للاستراتيجية الأميركية هو نزع القدرة النووية من باكستان».

ومع ذلك، نجد كياني يقول في الفقرة الأخيرة من المذكرة: «في النهاية، نحن نود أن نكون واقفين على الجانب السليم من الأشياء»، وكذلك تود أميركا، وخاصة مع بدء انسحاب قواتها القتالية من أفغانستان.

إذن، فربما يتعين علينا أن نشكر ذلك السلوك الغريب المحيط بذلك الاعتذار الفاتر الذي صدر هذا الشهر، فالصديقان يعملان على محو آثار مشاجرة أخرى، وما زال عرض المسلسل مستمرا، فهذا أفضل من وضع نهاية مأساوية للقصة.

* خدمة «واشنطن بوست»