الصلاة في حي البغايا

TT

من حق الدول «المثالية» انتقاد غيرها في أي تقصير يحدث. فمثلا لا مانع أن تقوم سويسرا بانتقاد المكسيك في مواضيع تخص التلوث والنظافة، ومن حق سنغافورة أن تنتقد الفلبين في مواضيع تخص القضاء وفساده، ومن حق الدول الإسكندنافية أن تنتقد الدول الأفريقية في أسلوب تعاملها مع قضايا الفساد المالي؛ ولذلك أجد من الوقاحة السياسية أن تقوم روسيا اليوم بانتقاد المملكة العربية السعودية على «ممارساتها الخاطئة في حقوق الإنسان» بحسب ما صدر على لسان أحد المسؤولين الرسميين فيها، فأن يأتي الحديث عن «حقوق الإنسان» من روسيا فهو قمة المهزلة حقا.

فروسيا اليوم بحديثها عن حقوق الإنسان وسجلها المعروف في المجال أشبه ببنات الليل وهن يتحدثن ويحاضرن عن أمجاد الفضيلة ومحاسنها. سجل «حقوق الإنسان» في روسيا (ولا أقول الاتحاد السوفياتي العتيد المقبور) مليء بالفضائح والتجاوزات المذهلة.

روسيا التي تفشت فيها عصابات الكراهية والنازية الجديدة التي تقوم بترهيب الأقليات والأفارقة المقيمين في مدنها تحت أعين أجهزة الشرطة دون عقاب ولا رادع نظرا لتواطؤ هذه العصابات الإجرامية مع منظمات العالم السفلي والجريمة المنظمة التي باتت تعرف بالمافيا الروسية.

ولا يمكن الحديث عن حقوق الإنسان في روسيا دون التطرق إلى التعامل الوحشي من السلطات الروسية بحق المواطنين الروس من أصول شيشانية وأصول داغستانية أو جورجية أو بيلاروسية أو دول آسيا الوسطى عموما، فهؤلاء «المواطنون» يلقون معاملة فجة فحواها التفرقة والتمييز الصريح جدا، وكذلك التمييز ضد المسلمين عموما ومنعهم من الحصول على تراخيص لازمة لإقامة مساجد جديدة، مما جعلهم يقضون فروضهم على قارعة الطريق وسط أجواء صعبة وفي مناخ شديد البرودة.

ولا يقتصر الأمر على هذا فحسب، بل إن دولا أخرى تقع على الحدود الروسية تلقى المعاناة، وخصوصا في حال وجود جاليات لها داخل المجتمع الروسي، بقيت من ضمن المجاميع المختلفة التي تحملت تبعتها روسيا من ضمن مخلفات وبقايا الاتحاد السوفياتي. اسألوا الأفغان ومواطني أذربيجان وكازاخستان على سبيل المثال فقط، والقصص كثيرة وكثيرة جدا عن الممارسات «الرسمية» ضدهم فيما يخص فرص التعليم والتوظيف والزواج والعلاج والقضاء، ومعروف عدد الاعتصامات والاحتجاجات التي تقوم بها الجاليات والمجاميع المتضررة في داخل المجتمعات الروسية ويتم «قمعها» بحجة أنهم «عصابات متمردة وخارجة عن القانون، تحركها دول مارقة ترغب في زعزعة روسيا ومستقبلها الواعد»، وهي نغمة غير غريبة وقريبة جدا من نفس الديباجات التي يستخدمها حلفاء روسيا اليوم في العالم العربي مثل العراق وليبيا من قبل وسوريا الأسد اليوم. تصريحات يتم فيها الاستخفاف بعقول المتلقي استخدمت بالأمس ويعاد استخدامها مجددا اليوم.

روسيا تديرها اليوم «عنترية» سياسية أتت من رحم المخابرات القمعية للاتحاد السوفياتي المعروفة باسم الـ«كي جي بي» وتتحكم في اقتصاداتها مافيا رأسمالية متوحشة للغاية عندها تبرر كل وسيلة، كما تلعب بقواعد اللعبة السياسية وتستغل المظاهر الديمقراطية من إعلام وأحزاب وبرلمان ودستور وانتخابات لأجل تكريس الديكتاتورية؛ وهي مسألة أيقن أضرارها ومخاطرها مجموعة كبيرة من المواطنين الروس وعرفوا أنهم سقطوا في فخ اسمه وهم الديمقراطية البوتينية، وبعد كل ذلك، يكون نوعا من الدعارة السياسية أن تتبجح روسيا بسجلها المخجل وتتقدم مدافعة عن حقوق الإنسان وملفاته.

روسيا بدفاعها المضحك عن حقوق الإنسان أشبه بمن يقيم الصلاة في حي البغايا.

[email protected]