كيف ينتصر «الإخوان» بهزيمتهم؟

TT

علق أحد الظرفاء حين شاهد، أيام صراع الثورة الليبية مع نظام القذافي، قائدا ميدانيا في ساحة القتال، وقد أطلق لحيته وأرخى عمامته بإتقان، وخلفه مجموعة من المقاتلين على شاكلته بملابسهم العربية الفضفاضة، وصيحات التكبير تدوي في المكان، فقال: كأني أشاهد مسلسل «القعقاع بن عمرو التميمي» وهو يتأهب لخوض معركة القادسية. إذن فمن يستقرئ الحقائق على الأرض الليبية يخلص منطقيا إلى أن إسلامية معركة إسقاط نظام القذافي مؤشر صارخ على إسلامية نتائج الانتخابات البرلمانية الليبية، ومن رأى كتائب الثورة الليبية التي أسهمت في النصر المؤزر على كتائب القذافي بروحها الإسلامية، وأفراد كتائبها يهللون ويكبرون ويطلقون زغاريد للشهداء، ومن لاحظ أن معظم الشعب الليبي متدين وقبلي، وأن ماكينة المعارضة أصلا تتزود بوقود إسلامي منذ تولى القذافي، ظن أن الإسلاميين الليبيين بشتى أطيافهم سيكتسحون الانتخابات البرلمانية الليبية بانتصار ساحق.

ومن يستقرئ نتائج الانتخابات البرلمانية في الدول التي اندلعت فيها الثورات، مثل مصر وتونس، ذات المجتمعات الأكثر انفتاحا، والتيارات الليبرالية الأكثر تجذرا والأعرق تاريخا، والأكثر سيطرة على وسائل الإعلام التقليدية، بل وسقط رؤساء تلك البلدان، ولم تسقط أنظمتها التي ما برحت تمسك، وبشراسة، بمفاصل وزاراتها السيادية، وحقق فيها الإسلاميون انتصارات لافتة، سيخلص إلى حتمية فوز الإسلاميين الليبيين في بلد تهاوى نظامه ورئيسه، بل سقط نظامه قبل سقوط رئيسه في ظاهرة لافتة.

لكن رياح الانتخابات الليبية جرت بما لا تشتهيه سفينة الإسلاميين الليبيين؛ فقد تصدر، وبصورة مفاجئة، تحالف القوى الوطنية (ذو النفس الليبرالي) بقيادة المستشار محمود جبريل المشهد الانتخابي، وحل حزب العدالة والبناء ذو الجذور «الإخوانية» تاليا في هذه الانتخابات، وهو ما قلب الموازين رأسا على عقب، وترك باباً مشرعاً لاستقراء ما جرى، والوصول إلى نتائج تفسر وتحلل المشهد الانتخابي الليبي، فما الذي جرى؟ ولماذا خسر الإسلاميون الذين وإن اتهم بعضهم جبريل بأنه من «فلول» نظام القذافي لم يطعنوا في صدقية الانتخابات ونزاهتها؟

أحد عوامل انتصار تحالف القوى الوطنية يكمن في شخصية قائده محمود جبريل ذي الشخصية الكاريزمية اللافتة، الذي كانت فترة رئاسته لحكومة ما بعد الثورة مكثفة بالدعاية الانتخابية المبكرة لشخصه، وأسهمت كفاءته السياسية في أن يكون الوجه السياسي الناعم للثورة الليبية التي توجس العالم الغربي من جذورها الإسلامية الصارخة، واستطاع مع الرئيس عبد الجليل أن يكونا حرف العطف المؤثر مع العالم، وخصوصا الدول الغربية التي أسهم تدخلها في إنضاج الثورة ثم إسقاط القذافي، كما كان من عوامل انتصار جبريل وتحالفه أنه بدأ حملته الانتخابية فور استقالته من الحكومة، في حين انشغل «الإخوان» ومعهم بقية الفصائل الإسلامية بوضع البنية الحزبية التحتية.

التشرذم عامل آخر أسهم في تردي نتائج الإسلاميين في ليبيا، وهي ظاهرة لا تكاد تسلم منها الفصائل الإسلامية في العالم الإسلامي والعربي، وقد دخل الإسلاميون بعدد من الأحزاب المتنافسة والأفراد المستقلين، والعكس فعله محمود جبريل، قائد تحالف القوى الوطنية، الذي عمد إلى صهر كيانات متباينة في كيان متناغم.

ليس أمام الإسلاميين في ليبيا بقيادة «الإخوان» سوى قبول نتائج الانتخابات، بل وتهنئة المنتصر، حتى يهدموا هرما من الأساطير بناه خصومهم عنهم، بأنهم ينقضون على الديمقراطية إذا وصلوا للحكم أو يكفرون بها إذا انهزموا في معتركها، هنا فقط ينتصر الإسلاميون حتى في هزيمتهم.

[email protected]