إيران: الدجاجة أم الصاروخ؟

TT

تقرير طريف نشرته صحيفة «التلغراف» البريطانية أمس تحت عنوان «الدجاج يتعرض إلى الرقابة في إيران»، ومضمونه أن مسؤولا أمنيا كبيرا حذر من أنه يجب على التلفزيون الرسمي ألا يظهر في الأفلام لقطات عشاء فيها دجاج على المائدة حتى لا يثير ذلك الحقد الطبقي من قبل الفقراء الذين لا يستطيعون الوصول إلى الدواجن فيذهبون لمهاجمة الأثرياء!

ليس هذا أول تقرير يتعرض إلى محاولات حكومية في إيران لتوجيه الإعلام لعدم التعرض إلى المشاكل الاقتصادية الناجمة عن التضخم وتأثيرات العقوبات الاقتصادية الدولية، فقبل أسبوع حذر وزير الثقافة هناك الإعلام من التركيز على المصاعب الاقتصادية التي يواجهها الناس بسبب تأثير العقوبات، طالبا تعاون الإعلام في عدم إظهار أن البلاد تعاني هذه العقوبات. كما كان استطلاع الرأي الذي أجرته هيئة التلفزيون في إيران ثم جرى سحبه حول تخصيب اليورانيوم بعدما ظهر أن أغلبية المستطلعين مع وقف التخصيب لتفادي العقوبات، وجرى تبرير ذلك بأنه حدث اختراق للموقع أو أن عينة المستطلعين ليست علمية.

المفارقة أن هذه التقارير حول صعوبات تتناول أشياء بسيطة في حياة الناس، تأتي متزامنة في نفس الوقت مع صواريخ جديدة يجري اختبارها وبيانات حول التقدم النووي وتهديدات بإغلاق مضيق هرمز، وتوسع خارجي مع ما يحتاجه ذلك من تمويل وأعباء مالية، خاصة بالنسبة إلى سوريا وشبكة النفوذ الخارجية الضرورية لتكون أدوات نفوذ.

كلام كبير، المفترض أن يعطي إحساسا للناس بالعظمة والقدرات الكبيرة، يواجهه واقع معيشي مختلف، فيه صعوبات تتزايد نتيجة هذه السياسات، ويتناقض مع حديث الصواريخ والنووي في احتياجات أساسية وبسيطة.

الحالة الإيرانية ليست جديدة فهي متكررة بين الدول متوسطة الحجم مثل إيران، وحالة مصر الناصرية كانت أبلغ مثال على ذلك في المنطقة، عندما يستنزف الدور الخارجي الإمكانيات والموارد الداخلية، وقد يمكن احتمال عبء تكلفة الدور لفترة، لكن بعد ذلك تكون المسألة مكلفة ومرهقة ومثيرة للمشاكل داخل الدولة نفسها، لأن تصفيق المؤيدين والمريدين في الخارج لن يجلب الدجاجة إلى المائدة، ودراسة التاريخ تدل على أنه حتى الإمبراطوريات الكبرى تأتي في وقت معين لتكتشف أن تكلفة الدور والتوسع الأكثر من اللازم كانت سببا في انهيارها من الداخل.

ولا يوجد ضير في أن تسعى الأمم لتعظيم شأنها وجعل شعبها يزهو بإنجازاتها، لكن يبدو أن منطقة الشرق الأوسط مبتلية بنوع من التفكير الذي يرى ذلك من خلال صواريخ وأسلحة ومغامرات خارجية وميليشيات... إلى آخر القائمة التي تؤدي إلى مناخ توتر وصراع وليس استقرارا، في حين أن بقية مناطق العالم أدركت أن التقدم والترتيب بين مصاف الأمم أصبح اقتصاديا في الدرجة الأولى، ومؤشراته هي درجة التقدم الاقتصادي والعلمي، ومتوسط دخل الفرد، والقدرة الإنتاجية للمجتمع، والخدمات سواء كانت صحة أو تعليما إلى آخره، فهذا ما يجعل أي مجتمع قويا.

المؤشرات القادمة من إيران حاليا تدل على أن العقوبات الاقتصادية خاصة في مجال النفط الذي يعد المصدر الرئيسي لموارد الدولة، حيث لا تشكل الضرائب أكثر من 27 في المائة من الموارد - بدأت ترهق الاقتصاد، لكنها ليست العامل الأساسي حتى الآن، فمعظمها لا يزال حديثا، فالمؤكد أن تكلفة برامج الأسلحة والأموال التي تقتطع للإنفاق على الدور الخارجي أو دعم أنظمة حليفة مثل سوريا - هي مصدر الإرهاق الرئيسي، والمؤكد أيضا أنها ستكون سببا في غضب داخلي عارم.