طفرة إعلامية في الربيع

TT

ما هي القطاعات التي استفادت بشكل واضح ومباشر من أحداث الربيع العربي؟ سؤال وجيه جدا في ظل الحديث المتواصل عن الدمار الاقتصادي والخراب المالي الذي تسبب في زلزال الربيع العربي على المنطقة، فكيف من الممكن أن يكون هناك قطاع أو قطاعات استفادت من جراء ذلك كله؟

لعل الإجابة الواضحة البديهية لذلك هي أن أكبر طرف استفاد من هذا هو القطاع الإعلامي.

ففي تونس وليبيا ومصر واليمن حصل «انفجار بركاني» في مجال حرية الإعلام والتعبير عن الرأي عبر وسائل إعلامية مختلفة تقليدية، منها مثلا الصحف والمجلات والإذاعة والتلفزيون، وحديثة عبر قنوات التواصل الاجتماعي المعروفة.

وهذه الأدوات والوسائل المختلفة حينما تم إطلاق منتجات إعلامية مختلفة عليها أدت إلى إيجاد فرص وظيفية متنوعة للعشرات من الكوادر المهملة والمعطلة، وأنعشت سوقا كانت خاملة ورتيبة ومملة، وطبعا لم تكن هذه الانطلاقة خالية من الشوائب والأخطاء، فهي مثلها مثل التجارب التجارية الأخرى فيها الصالح والطالح، فيها الجاد وفيها المستغل، وبالتالي تبقى السوق والمتلقي هما الحكم، وطبعا هذه السيولة الكبيرة في الطرح الإعلامي المكثف صاحبه عدد من التجاوزات في «الحقيقة» والمبالغة في الأحداث ونقلها، بل هناك حالات كان ما يتم طرحه كذبا صريحا لغايات معروفة وأحيانا غير معروفة، وهذه المسائل وضعت ضغوطا كبيرة على الأجهزة القانونية والتشريعية والرقابية المعنية بالإعلام، والقضاء على تطوير أنظمتها وقوانينها للتعامل مع قضايا من نوع «جديد» ومختلف وغير مسبوق.

ولكن مع كل هذه المشاهد «الفوضوية» ظاهريا على الساحة الإعلامية، فهي باعتقادي سوف تكون ظاهرة مؤقتة ستلقى الهدوء والاعتيادية بعد فترة، وخصوصا إذا ما صاحبها التدريب اللائق الذي سيولد الحدود الدنيا المطلوبة من المهنية والاحتراف المطلوبين للأداء المحترم في مهنة ومجال حساس ودقيق.

العالم العربي في معظمه كان الشعب فيه مكتوما ومكبوتا، لديه الحرية في نقد الآخرين بكل سهولة، ولكنه لا يستطيع التطرق إلى ما يخص وضعه وحاله إلا ويكون المقابل ثمنا باهظا على حساب كرامته وحريته ووضعه بصورة عامة.

الإعلام في الدول الحرة يعتبر هو السلطة الرابعة تماما بعد السلطات الثلاث الرئيسية الأخرى: التنفيذية والتشريعية والقضائية. فالإعلام له دور وله مكانة وله احترام، إضافة إلى أنه قطاع اقتصادي شديد الأهمية والتأثير بمنتجاته المباشرة التي تقع بين أيدي المستهلك أو عبر الآلاف من الصناعات والخدمات المساندة للمنتجات، والتي لا يمكن للمنتج أن يكون بصورته النهائية إلا بالتعاون الكامل والتام معها.

ستكون الفترة المقبلة فترة غربلة كبيرة لمن لا يستطيع الاستمرار ولا البقاء في سوق مفترسة وشرسة، وسواء أكان الفشل بسبب سوء المنتج أو ضعف التمويل أو انعدام التوفيق سوف تكون هناك وجوه تبقى ووجوه ترحل، هذا هو حال الرأسمالية مهما توحشت. على الرغم من ظاهر المظهر الكئيب اقتصاديا في العالم العربي، فإن الطفرة الإعلامية الكبرى التي حصلت في العالم العربي توضح أن هناك العشرات من المواهب والقدرات اللافتة التي بحاجة للفرصة والرعاية والانطلاقة، وهي في النهاية تترجم لفرص استثمار وفرص توظيف، وهذا أهم مدخل يجب الاهتمام به وعدم التحسس من الأمر بشكل مبالغ فيه.

[email protected]