«ماريا».. شاشة منتقبة

TT

«أختنا في الله» ستصبح لها قناة خاصة.

وتعبير «أختنا في الله» هذا، درج لدى التقرب من أي فتاة أو سيدة منتقبة، ويبدو أنه سيروج أكثر مع الإعلان عن انطلاقة قناة «ماريا» مطلع شهر رمضان. وقناة «ماريا» هي أول قناة للمنتقبات في مصر، بل هي أحدث ما تمخض عنه العقل الإعلامي الديني الذي ابتكر لنا قنوات الدعاة التلفزيونيين الجدد، وها هو يقدم لنا الآن وبحسب رؤية الشيخة صفاء (المشرفة على القناة) محطة ليست موجهة للسافرات وكاشفات الوجوه، وحتما ليست موجهة للرجال؛ بل وأيضا ليست موجهة للمحجبات، بل هي حصرا للمنتقبات.

القناة ستكون خاصة بهذه الشريحة من النساء فقط، وستركز في برامجها على شؤون وشجون المنتقبات وشؤون الأسرة من هذا المنظور. أما الضيفات «الكريمات» اللاتي قد تستدعي برامج المحطة حضورهن فعليهن الاختيار بين الظهور بنقاب أو بتمويه وجوههن كي لا تظهر سافرة على شاشة «ماريا»، بحسب ما أوضحت القناة مسبقا قبل انطلاقتها.

وللحقيقة، فإننا حين نحاول مقاربة قناة خاصة بالمنتقبات، فإننا بالتأكيد نتطرق إلى إشكالية بالنسبة لكثيرين يرون في هذا الرداء تناقضا مع متطلبات العيش والحرية الشخصية، بينما يصر المتمسكون به على أنه «هداية» استنادا إلى فتاوى من نوع أن «وجه المرأة عورة».

ليس جديدا أن موضوع النقاب شغل أوساطا إسلامية قبل غيرها، كما أنه أثار ما أثار من إشكاليات في المجتمعات الغربية، وهو اليوم يتحول إلى مشهد إعلامي محلي، وسيطرح علينا سؤالا ليس بالضرورة ملحا ولكنه داهم: كيف سنتعامل مع قناة المنتقبات؟

طبعا ليس تناول هذا الموضوع يعني بأي شكل رفض حق أي شخص في ارتداء ما يحلو له، أو في التعبير عن نفسه أو عن نفسها عبر وسيلة مشروعة. إنها حرية الاختيار التي ننادي بها حتى لو كان هذا الاختيار من وجهة نظر شخصية هو اختيار خطأ.

بالنسبة لكثيرين منا، فإن ظاهرة النقاب تثير شعورا بالصدمة وعدم الثقة؛ إذ نشعر بالحيرة في كيفية التعاطي مع صاحبته، وتمنع بشكل أساسي التواصل والشعور بالألفة، لكنه ربما أحد أثمان احترام الآخرين واحترام خياراتهم الخاصة. ولكن تبقى هناك تساؤلات حول العلاقة بين وظيفة الكشف التي ابتكر التلفزيون من أجلها، ووظيفة الحجب التي يؤديها النقاب! هوية الضيف وهوية المقدمة والمذيعة ستكونان على محك الحجب، وعلينا الاعتماد على حواس غير بصرية في تحديد كثير من ملامح العناصر التلفزيونية وحتى على المشاعر الإنسانية لنعرف موقف صاحبة الكلام، وانعكاس ما تقوله على ملامحها، سواء أكان رضا أم رفضا أم شيئا آخر. علينا التركيز أكثر على الصوت وحركة اليد ربما، أو انتظار نهاية البرنامج لنقرأ أسماء المشاركين فيه! وهذا شيء جديد كل الجدة على عالم التلفزيون.

ولا بد هنا من التساؤل: هل فعلا قناة المنتقبات خيار خاص؟ وإذا كان خاصا، فلماذا تمنعت الشيخة صفاء عن الكشف عن هوية ممولي المحطة، معتبرة أن هذا ليس من شأننا؟

diana@ asharqalawsat.com