من يساعد من؟

TT

نشر الاقتصادي الهندي بغواتي بحثا يبدد خرافة المساعدات الأميركية والترف الأميركي الذي يدهشنا ونعجب به. يبين أن هذا الترف والازدهار يقوم على الديون. فهي تقترض من العالم سنويا بحدود 400 مليار دولار، أو أكثر من مليار في اليوم الواحد. بعبارة أخرى، إن أفروآسيا هي التي تدعم الاقتصاد الأميركي وليس العكس، منها 50 مليارا من الهند و160 مليارا من الصين سنويا بالإضافة إلى عدة تريليونات من اليابان. لم يذكر الباحث ما تتسلمه من دولارات النفط العربية. قال اقتصادي صيني إن الصين تستثمر في أميركا ضعف ما تستثمره أميركا في الصين. وقد استثمرت الهند 50 مليارا في أميركا مقابل 20 مليارا استثمرتها أميركا في الهند.

من أين جاءت هذه الإمدادات الخارجية؟ يقول الباحث إنها جاءت مما يوفره المواطن الآسيوي الذي يؤمن بالادخار ويقتر على نفسه فيأخذها الأميركي ويفرفش بها!

لماذا هذا التهالك على شراء السندات الأميركية؟ السبب هو الثقة بالدولار والاقتصاد الأميركي. ذكرني الموضوع ببحث نشره عالم أميركي قبل سنوات شغل نفسه بأسباب غزو العراق. وجد أنه لم يكن خوفا من أسلحة الدمار الشامل ولا الإرهاب ولا العدوان على إسرائيل ولا طمعا بالنفط. السبب الحقيقي هو أن صدام حسين أخذ يشق عصا الطاعة للدولار بالإصرار على تسديد صادرات النفط باليورو وليس بالدولار. باشر بذلك بما أوحى لإيران أيضا أن تحتذي حذوه. توترت أعصاب الأميركان عندما شعروا بأن ما أقدم عليه صدام قد يوحي لمنتجي النفط الآخرين بالتعامل باليورو. يعني ذلك سقوط الدولار من عرشه وتتويج اليورو خلفا له، بعبارة أخرى انهيار الاقتصاد الأميركي. تأهب البنتاغون لوضع الخطط لقتل الفيروس في مهده بالإطاحة بصدام. هذا ما توصل إليه العالم الأميركي، الأستاذ في جامعة هارفارد.

الدول الأوروبية التي تعاني الآن من أزمة اليورو والتي ساهمت في غزو العراق تصرفت في الواقع كالطفل الساذج في مساهمتها العسكرية. فلو أن صدام حسين بقي في الحكم ووسع مشروعه للتعامل باليورو لما وقع اليورو في هذا المطب الراهن ولكان الدولار هو الذي سقط.

يذكرني الموضوع بواقعة أخرى من الماضي عندما نادى مهاتير محمد، رئيس الوزراء الماليزي سابقا، وناشد كل مسلم عنده دولارات بيع قسط منها ولو عشرة دولارات فقط. رأى مهاتير حسب حساباته أن ذلك سيؤدي إلى سقوط صرح الدولار، وبالتالي انهيار الاقتصاد الأميركي بصورة سلمية ما فيها أي شيء من الإرهاب والقتل والمقتول. بيد أن نداءه ذهب أدراج الرياح، ربما لأن من يملك دولارات لا يريد قيمة دولاراته تتدهور.

أثار الموضوع في ذهني هذا السؤال. الأميركيون يعيشون في بذخ وفرفشة ومعها كل هذا الصرف على الأسلحة والقوات المسلحة والسفر للأقمار والنجوم. وكله بالدين ومن فلوس الفلاح الهندي والعامل الصيني والتكنوقراط الياباني. ماذا إذا فطن القوم لنصيحة مهاتير واستغلوا فرصة انهيار سعر اليورو الحالي وقرروا استغلال الفرصة ببيع الدولار وشراء اليورو؟ ماذا إذا طالب الدائنون بفلوسهم من الأميركان؟ هل ستغزو أميركا قارة آسيا بحجة السعي لإنتاج أسلحة الدمار الشامل؟