«سر» تصاعد الموقف الأردني تجاه الأزمة السورية!!

TT

لم يفاجئ بعض كبار المسؤولين الأردنيين، الذين يتابعون الأوضاع السورية عن كثب، التصريح التصعيدي الذي أطلقه رئيس الوزراء الأردني فايز الطراونة من براغ حيث كان في زيارة رسمية إلى العاصمة التشيكية، والذي قال فيه: «إن الحوار لم يعد مجديا في سوريا، وإنه لا بد من دور أكثر فاعلية للمجتمع الدولي» وإن هو فاجأ بعض الدول العربية وغير العربية المعنية بالشأن السوري ومتابعته عن قرب.

وجاء هذا التصريح، الذي يرى كثيرون أنه سيدفع العلاقات الأردنية - السورية المتأزمة أساسا إلى المزيد من التأزم وربما إلى الاشتباكات والمواجهات العسكرية الحدودية، بعد أقل من 48 ساعة من إعلان الحكومة الأردنية عن إدانتها الشديدة للمجزرة التي أودت بحياة العشرات من الأبرياء والأطفال والنساء في بلدة التريمسة بريف حماه ورفضها المطلق لاستخدام القوة والعنف ضد المدنيين العزل.

ولعل من لا يعرفون حقائق الأمور قد ساورهم اعتقاد وساورتهم شكوك بأن الموقف الأردني الرسمي المفاجئ، سببه إما تزايد الضغط الشعبي الرافض لهذه المذبحة والمندد بها أو أن الحكومة الأردنية قد أدركت أن الولايات المتحدة ومعها الدول الأوروبية الرئيسية والمؤثرة، بعد كل هذه المذابح التي ارتكبها النظام وآخرها مذبحة «التريمسة»، لم تعد قادرة على الاستمرار بالموقف المائع الذي بقيت تتخذ، وأنها بعد هذه المذبحة البشعة فعلا قد حسمت أمرها وغدت عازمة على إسقاط هذا النظام بالقوة وفي أقرب فرصة ممكنة.

وحقيقة أن ما جعل الأردن يبقى واضعا نفسه، قبل هذا التطور الأخير، في ما يسمى المساحة الرمادية بالنسبة لكل هذه التطورات العاصفة في سوريا أنه لمس ميوعة أميركية وترددا أوروبيا وعدم وحدة موقف عربي لجهة مسألة إسقاط نظام بشار الأسد. فالأردن لا يستطيع المجازفة والذهاب فورا بالنسبة لما يجري في هذا البلد المجاور إلى أصعب الخيارات وأخطرها من دون طول تأن نظرا لأن أوضاعه الاقتصادية هي هذه الأوضاع المتردية ونظرا لأن موقعه الجغرافي ووضعه الداخلي يفرضان عليه عدم التهور ويمليان عليه أن تكون حساباته دقيقة.

وهنا فإن هناك ضرورة للتأكيد على عدم صحة كل ما قيل عن أن الأردن قد بادر إلى وضع نفسه في المساحة الرمادية منذ بداية تفجر الأوضاع في سوريا خوفا من انتقال ظاهرة الربيع العربي من هذه الدولة المجاورة والمتداخلة معها جغرافيا وديموغرافيا إليه. فالمعروف أن الملك عبد الله الثاني كان قد أرسل عبر رئيس ديوانه السابق بنصيحة إلى بشار الأسد بأن عليه ألا يلجأ إلى الحلول العسكرية والأمنية وأن عليه ألا يعزل نفسه عن شعبه كما وأن عليه أن يبادر قبل أن تتعقد الأمور أكثر وأكثر إلى الاستجابة لمطالب الشعب السوري الإصلاحية بكل جدية، وبعيدا عن عمليات شراء الوقت، وعن المناورات الاستهلاكية التي يشير عليه بها بعض مستشاريه، وبعض الدول التي ترى أن أي إصلاح جدي في هذا البلد سوف يفقده مكانة استراتيجية في الشرق الأوسط كله.

هذه مسألة من المؤكد أن بعض الدول العربية الشقيقة تعرفها تمام المعرفة وتعرف أيضا أن الأردن مع الإصلاح وأنه بدأه مبكرا وأنه قطع مسافة طويلة على طريقه. ثم إن هناك مسألة أخرى، وهي أن هذا البلد ربما هو الأكثر رغبة في حقيقة الأمر في زوال هذا النظام السوري الذي لم يتعامل مع الدولة الأردنية على مدى الأربعين سنة الماضية على أساس الأخوة وحسن الجوار والمصالح المشتركة، وأنه في عهد هذا الرئيس وفي عهد والده حافظ الأسد ظل يتعامل مع المملكة الأردنية الهاشمية كتعامله مع لبنان، وظل يحاول فرض دوره الإقليمي عليها كما فرضه على الدولة اللبنانية.

لقد وصلت الأمور في ذروة تطلع حافظ الأسد إلى فرض نفوذه على الإقليم كله، وهذا كان في بدايات ثمانينات القرن الماضي، إلى إرسال قطاعات من جيشه إلى المناطق الحدودية لتهديد الأردن باجتياح كاجتياح لبنان إن لم يقبل الأردنيون بأن يكون بلدهم تابعا لمنظومة المصالح السورية ولقد وصلت الأمور سابقا ولاحقا وحتى الآن، أي حتى هذه اللحظة، إلى السعي لاختراق الأردن مخابراتيا وإرسال مجموعات مسلحة من حزب الله وفي فترة سابقة من حركة حماس وأيضا من «القاعدة» من جماعات «الزرقاوي» لإنشاء خلايا نائمة على الأراضي الأردنية وفي المدن الأردنية لتكون عبارة عن ألغام موقوتة يلجأ إلى تفجيرها في اللحظة التي يريدها.

لم تكن العلاقات الأردنية - السورية في أي يوم من الأيام هي العلاقات المفترضة بين الدول العربية الشقيقة وخاصة المتجاورة منها، ولذلك وعلى الرغم من صمت الأردن وحرصه على تجنب أي مواجهة سياسية وغير سياسية مع دولة عربية مجاورة يتداخل معها جغرافيا وديموغرافيا فإن ما هو غير معروف ربما للأشقاء والأصدقاء وغيرهم، هو أن هذا النظام السوري - إن في زمن بشار الأسد وإن في زمن والده حافظ الأسد - ظل يواصل تعدياته على الحدود الأردنية، وظل يرفض ترسيم الحدود مع الأردن، وظل يمتنع عن تنفيذ كل اتفاقيات المياه بين الدولتين الشقيقتين المتجاورتين، وظل يحول دون وصول الحصة الأردنية من مياه نهر اليرموك إلى سد الوحدة الأردني، وكل هذا بينما الأردنيون بقوا يواجهون شحا مائيا خلال الأعوام العشرة الأخيرة.

هذا هو واقع العلاقات بين الأردن وسوريا إن سابقا وإن حاليا، ولكن على الرغم من ذلك فقد بقي الأردنيون يكظمون غيظهم، وبقوا يعضون على الجرح، ويتحاشون أي تصعيد بينهم وبين هذه الجارة الشقيقة حتى بعد انفجار الأحداث السورية ولجوء نظام بشار الأسد إلى افتعال بعض الاشتباكات الحدودية شبه اليومية التي يرى العسكريون أن سبب افتعالها ليس منع السوريين الهاربين بأرواحهم من الوصول إلى الأراضي الأردنية، وإنما لمعرفة مدى حقيقة ما يقال عن دور مرسوم سلفا لتدخل عسكري أردني في إطار خطة عربية دولية موضوعة سلفا لإسقاط هذا النظام السوري لمصلحة قوى المعارضة والثورة السورية.

لكن ومع ذلك فإن هذا الموقف الأخير التصعيدي، الذي اتخذته الحكومة الأردنية، ليس سببه كل هذا المشار إليه آنفا، وإنما هو تهديد النظام السوري بأنه سيبادر إلى طرد كل اللاجئين الفلسطينيين في سوريا الذين يقدر عددهم بنصف مليون لاجئ في اتجاه الأردن، في حال شعر باقتراب سقوطه بحجة أن الأردنيين لا بد أن يكون لهم دور غير معلن في هذا السقوط.

ومن هنا فإن ما جعل الأردنيين يأخذون هذه التهديدات بعين الاعتبار هو أن نظام بشار الأسد كان قد أبعد ومن دون أي أوراق ثبوتية خلال الشهور الأخيرة أكثر من خمسين لاجئا فلسطينيا إلى الأراضي الأردنية، وهو أيضا أن هذا التصعيد ضد المخيمات الفلسطينية وضد اللاجئين الفلسطينيين بدأ في الأيام الأخيرة يأخذ طابعا جديا وخطيرا، ولذلك فقد كان لا بد من هذا الموقف التصعيدي الذي اتخذته الحكومة الأردنية خلال الأيام الأخيرة وذلك لإفهام هذا النظام أن هذه اللعبة الخطرة التي بدأ يلعبها لا يمكن السكوت عليها، وأن الأردن لا يستطيع استقبال ولا تحمل كل هذه الأعداد من اللاجئين بسبب أوضاعه الاقتصادية والديموغرافية المعروفة، ولا يمكن أن يسكت على استهداف مخيمات الفلسطينيين في سوريا، وعلى هذا النحو وحتى وإن اضطر إلى اللجوء إلى القوة العسكرية، وقد يكون هناك لجوء قريب إلى القوة العسكرية إذا كان لا بد من ذلك.