الصديق عمر سليمان

TT

رحل عن عالمنا بالأمس اللواء عمر سليمان نائب رئيس الجمهورية المصري السابق، ورئيس جهاز الاستخبارات المصرية وأحد أبطال حرب أكتوبر (تشرين الأول) العظام. وبرحيله، فقدت شخصيا، وفقدت مصر، والعالم العربي، رجلا عظيما أعطى من عمره وحياته، في صمت، خدمات جليلة لأمن بلاده وأمن الأمة العربية. ولأن عمل الاستخبارات يقوم عادة على السرية، فإن الإنجازات التي تتم تكون مسكوتا عنها، أما افتراءات وأباطيل وأوهام السلبيات فهي وحدها التي تطفو على السطح. نحو 20 عاما قاد فيها اللواء عمر سليمان جهاز الاستخبارات المصرية استطاع فيها أن يحمي أمن بلاده من اختراقات خطيرة من الصديق الأميركي والشقيق الفلسطيني والدور الإيراني، ومن جهود لم تتوقف للحظة واحدة من جهاز الموساد الإسرائيلي.

حينما تكون في حالة عداء مع دولة ما، فإن العمل الاستخباري يكون سهلا واضحا، أما صعوبة الموقف الذي كان اللواء عمر سليمان يواجهه فهو أنه عليه أن يتعامل مع شريك أميركي لا يتوقف عن محاولات الاختراق، وشقيق فلسطيني يستخدم الأنفاق لإدخال سلاح ليس لغزة ولكن للداخل المصري.

في صمت، كان يتحمل عمر سليمان أخطاء النظام السياسي، ولأنه رجل عسكري شديد الانضباط فإنه كان لا يبدي أي مخاوف أو غضب أو اعتراضات إلا داخل غرفة مغلقة مع الرئيس السابق بأدب شديد ودبلوماسية جمة.

قابلته في الشهور الماضية عدة مرات، أهمها مرة في مستشفى جهاز المخابرات المصرية لمدة 3 ساعات، وكان شديد القلق على مستقبل علاقة جماعة الإخوان بالمجلس العسكري الحاكم، وكان يردد «لو ما حصلش اتفاق واضح.. البلد حتولع». المرة الأخيرة التي قابلته فيها كانت في مكتبه الخاص بمنطقة مصر الجديدة بعدما تم استبعاده من قائمة المرشحين لانتخابات الرئاسة، وكان وقتها يستعد للسفر إلى ألمانيا لتلقي العلاج وكان يشعر بغصة في قلبه ونفسه لإحساسه بأن استبعاده كان فيه نوع من التعمد السياسي الواضح.

ولأنه شديد الانضباط أكد لي أنه لن يصرح أبدا بهذه المشاعر وأنه سيظل دائما ملتزما بحكم دولة القانون، حتى لو ظلمه القائمون على تنفيذه.

لم يعرف الناس الوجه الإنساني لعمر سليمان، لم يتعرفوا على هدوئه وصفاء ذهنه وحكمته وتفانيه وتغليبه الدائم لمصلحة بلاده وأمته. لم يعرفوا صراعات عمر سليمان في الداخل للأصلح وترشيد النظام، وحجم الألم الذي كان يعانيه حينما كانت تقاريره لا يؤخذ بها. لم يعرفوا أنه طالما حذر من مخاطر مشروع التوريث، ومخاطر زواج المال مع السلطة. لم يعرفوا أنه سلم للرئيس مبارك تقريرا مكتوبا يحذر فيه من انهيار النظام عقب تزوير الانتخابات البرلمانية. لم يعرفوا أنه هو الذي أقنع الرئيس السابق بالتخلي عن السلطة، وأنه بعدها بساعات طلب منه هو أيضا ألا يذهب إلى مكتبه، ولكن أن يذهب إلى منزله بلا رجعة.

ذهب عمر سليمان إلى منزله في هدوء ولم ينطق بكلمة واحدة، ذهب ورحل في كبرياء.. رحم الله عمر سليمان.