عبد الله الغذامي.. ولعبة (البلوت)

TT

رغم احترامي وإعجابي بالدكتور عبد الله الغذامي، فإنني كذلك وبصدق أجد أنه أول من ألقى حجرا كبيرا في مستنقع البحيرة الثقافية الراكدة في السعودية تحديدا، وجعلها تمور وتضطرم وتتفاعل، ولو لم يكن له فعل غير ذلك فهذا في حد ذاته يحسب له ويطوق عنقه إلى درجة الشنق.

الرجل لا شك شجاع وحاسم وقارئ وناقد له ما له وعليه ما عليه، قد لا أوافقه في بعض أساليبه لكنني أتفق معه في أكثر أفكاره وطروحاته، وتعلمت منه ومن غيره الكثير.

الواقع أنني لم أحتك به يوما، ولم يحتك بي سوى ثلاث مرات إذا أسعفتني الذاكرة، الأولى في الكويت بدعوة من وزارة الإعلام هناك، وقضينا عدة أيام محفولين مكفولين، ولم ندفع فلسا واحدا - وهذا هو المهم - عرفت خلالها عبد الله الإنسان العاطفي والمفكر عن قرب، والمرة الأخيرة في (أتوبيس) حملني وإياه مع المسافرين من الطائرة إلى بوابة المطار (وهذاك هو وجه الضيف) فلا أنا عزمته ولا هو تشبث بي، فلا أنا (حاتم)، ولا هو (راسبوتين).

وأروع ما في هذه الدقائق الخمس التي تقابلت فيها معه وجها لوجه في (الأتوبيس) أنه أشاد بوسامتي وبشاربي المنسق وقتها، وهناك احتمال كبير أنه كان يريد أن يرفع من معنوياتي الهابطة، أو يلعب معي لعبة (النفاق الاجتماعي)، لأنني ما إن تركته يبحث عن حقيبته حتى اتجهت مهرولا إلى (الحمامات)، وأخذت أتفرس في ملامحي منتشيا بالمرآة، وبعدها صدمت لأنني لم أجد بها صفة واحدة مما وصفني بها، عندها قلت: «لك الله يا عبد الله، كم أنت ساحر، فأنت تعرف أنني (أطير بالعجة)، لهذا طلعتني بالسماء فوق ثم هبدتني بالأرض تحت»، وكنت لأول مرة أعرف أن الرجال أيضا يغرهم الثناء.

أما الثالثة الوسطى، فهي عندما قرأت في إحدى الصحف أنه سوف يلقي محاضرة في النادي الأدبي في جدة عن (لعبة البلوت)، وسألت من يعرفه: ما دخل عبد الله بلعبة (الكوتشينة)؟! وعرفت منهم أنه من المدمنين عليها.

وبحكم أنني لا أفقه في هذه اللعبة تحديدا أي شيء، فكل ثقافتي في (الكوتشينة) لا تتعدى لعبة (الباصرة) و(الطلب) وأخيرا وصلت إلى (الكونكان)، وللأمانة فهذه اللعبة الأخيرة لم أصر على تعلمها إلا بعدما أعجبت برقصة (الكان كان) وهي تقاربها في الاسم، وكلما ذهبت إلى باريس فإنني في اليوم الثاني لوصولي أذهب رأسا إلى مربع (المولان روج)، لأشاهد سرب الحسان وهن يرفعن ثيابهن (المكشكشة) عن سيقانهن الطويلة وأتخيل أنهن يرقصن لي أنا وحدي لا غير، وساعتها لا تسألون عن مشعل، الله لا يوريكم، فعلا (يفشل)!!

أعود للمحاضرة، المهم أنني جلست وقتها متسمرا ومستمعا كأي تلميذ مؤدب، ولا أكذب عليكم أنني حسدت الدكتور عبد الله على ذكائه ومراوغاته (وتمنطقه) - إن جاز التعبير - إلى درجة أنني اعتبرت نفسي إنسانا هامشيا لأنني لا أعرف لعبة (البلوت).

والذي دعاني إلى تذكر أخي عبد الله، وكتابتي لهذا الموضوع (الملعب)، هو ما قرأته في هذه الجريدة أن هناك مسابقة للعب (البلوت) في جدة، والشيء الوحيد الذي أزعجني في هذا الخبر أنهم يمنعون النساء من الاشتراك بها، وهذا هو بالذات الذي أثار حفيظتي. لهذا أستنجد بأخي عبد الله، خصوصا أن له (مقاربات) عن المرأة واللغة والجسد.

[email protected]