هل تكفي كلمات السيد لإنقاذ النظام؟

TT

مثلي كمثل عشرات أو أكثر يتابعون ما يقوله السيد حسن نصر الله لعدد من الأسباب؛ موقع لبنان - الفكري إن لم يكن شيئا آخر - وعلاقتها بسوريا، ثم ما يمكن أن يفهم منه في قراءة تقدير الموقف العربي بشكل عام. مساء الأربعاء الماضي كان للمتابعين موعد مع السيد. المناسبة المعد لها مسبقا هي ذكرى حرب تموز 2006 السادسة، ما لها وعليها وما تبعها من تحولات، أما المناسبة الأهم فهي ما حدث ظهر ذلك الأربعاء 18 تموز في دمشق، حيث دمر أحد المواقع الأكثر تحصينا وهو مبنى الأمن القومي وسط دمشق، وقتل جراء التفجير ليس وزير الدفاع السوري فقط، ولكن أيضا معه واحد من الرجال الأقوياء وهو آصف شوكت صهر الرئيس بشار الأسد مع عدد آخر من كبار رؤوس النظام السوري، وهو حدث ضخم بكل المعايير.

ليس المقام هنا تحليل نتائج ذلك الحدث الجلل على التطورات القادمة في سوريا وكذلك في المنطقة ككل. التركيز هنا على حديث السيد، الذي بدا لي كأنه خلطة من الوعيد والمصالحة، تفسير موقف ورجاء لموقف آخر! ولقد توقفت أمام عدد من النقاط التي تحدث عنها السيد:

قال السيد في تفسير ما يحدث في سوريا: «قاموا باستغلال مطالب محقة للشعب السوري» فقاموا بهذه (الفوضى) (كلمة الفوضي من عندي لأنها التعبير الأقل سوءا)! وفي هذا المقام هناك الكثير من الاستهانة بعقول الآخرين وما يستفز العاقل، فإذا كانت هناك مطالب محقة للشعب السوري، فمعنى ذلك أن المعارضة السورية لم تقم بـاستغلال تلك المطالب، «بل عبرت عنها» وكان رد فعل النظام السوري استخدام يد البطش، فتحول الأمر إلى ما أصبح عليه من قتل وتدمير، ثم هل تحققت المطالب المحقة أم لم تتحقق؟ ويعرف السيد قبل غيره أن الشعوب لا تقاوم (هذا إذا افترضنا أن النظام السوري كان يقاوم) إلا إذا كانت مستندة على حريات، فالأنظمة الفاشية لا تستطيع المقاومة، وإلا لانتصر هتلر وموسوليني من قبل!

ثم تحدث السيد عن موضوعين بدا لي أنهما متناقضان، وربما في غمرة الحماس لم يتبين ذلك؛ الأول هو المطالبة بتسليح الجيش اللبناني، وأن الغرب لن يقوم بتسليحه لأنه لن يسلح بعتاد تضار به إسرائيل عسكريا، ويبدو لأول وهلة أن ذلك المنطق صحيح، ثم أردف السيد أن عدم تسليح الغرب للجيش اللبناني كان خوفا - كما يقولون - من تسرب ذلك السلاح إلى المقاومة. إلى الآن الأمر منطقي، ولكنه ينهي هذا الأمر بالقول «سلحوهم، ونحن حتى لو وجدنا السلاح مرميا في الطريق فلن نأخذه!»، كيف يستقيم الأول مع الأخير؟ إن السلاح غير فعال، ثم إن (مصارينه في الغرب) كما عبر السيد، ثم الطلب بتسليح الجيش! والأكثر لفتا هي العبارات المستخدمة!

والثاني: تحدث السيد عن الصناعة العسكرية السورية، وهي الصناعة التي كانت سند المقاومة وإمدادها بالصواريخ في حرب عام 2006 كما قال. فإذا اقتنعنا بهذا القول، فلماذا إذن ظلت جبهة الجولان صامتة في عام 2006 وما قبلها وما بعدها؟ هل المطلوب هو وجود السلاح من أجل وجود السلاح؟ أم هو وسيلة للردع، لا أفضل من توقيت الردع إلا عندما أصبحت لبنان، كل لبنان، مكانا مفتوحا لعربدة الطيران الإسرائيلي كما يذكر كل من تابع تلك الحرب المشؤومة في عام 2006، التي قال فيها السيد بوضوح وصراحة: «لو كنت أعلم أن الحرب ستكون هكذا لما قمنا بها» أو قال شيئا من نفس المعنى والنص محفوظ! ذلك هو التناقض الآخر. بلاد لديها سلاح ولا تقوم باستخدامه طوال هذه الفترة الطويلة، إلا ضد أبناء شعبها العزل! لعل السيد في كل ذلك لا يريد أن يعترف بالمجازر التي ترتكب بحق الشعب السوري والتي أيقظت حتى ضمائر مناصري النظام وأقرب المقربين منه، بدليل فرار بعضهم إلى المنافي.

ثم التفت السيد محذرا الفلسطينيين من تسليم قضيتهم إلى العرب!! فإنهم إن فعلوا ضاعت فلسطين إلى الأبد!! وهو قول حماسي، يعني أنكم أيها الفلسطينيون لا تغتروا بما يحدث في (ربيع العرب) لأن هؤلاء لن يقدموا لكم فلسطين! طيب.. وما معنى حرمان الفلسطينيين من حقوقهم الإنسانية في ظل حكومة يهيمن عليها حزب الله؟ أليس الأجدى أن تقرر لهم الحقوق، قبل أن تغريهم بالاصطفاف في مكان آخر؟ وأين هو ذلك المكان، مع (المقاومة) بالطبع، وتفسيرها إما حزب الله أو إيران، التي تدفق بسطاؤها على مطار طهران في عام 2006 لنصرة إخوانهم، فأعيدوا من حيث أتوا. هذا الإغراء الذي لم يفت السيد الغمز حوله، حيث إن الصواريخ التي تصل إلى غزة هي من سوريا وليست من (مصر أو السعودية)! لعل الملاحظة التي قالها السيد بشيء من الاستنكار غير المصدق، أن الإيرانيين يهتفون (لا غزة ولا لبنان نحن فداء إيران) ربما تلك هي الحقيقة التي يشعر بها البعض لدى الجارة إيران، إلا أن الحقيقة الأهم هي أن لإيران مشكلاتها، وكل ما تفعله هو الاستفادة من أدوات متاحة لمحاربة أعداء لها لا أكثر. أما من يدعي المقاومة في سوريا، فإن بعض جيشه (الذي هو بالفعل جيش أمني) يقتل الآلاف من أبناء وطنه دون رادع، وأصبح القتل لأشهر طويلة هو السمة التي تقرن بسوريا، لا الممانعة ولا أي شيء آخر. كان من المتوقع أن يقوم السيد - بمناسبة أحداث الأربعاء الماضي - أن يقوم بفك الارتباط بينه وبين نظام يقتل شعبه بهذه الطريقة التي تذكّر العالم بأعتى السفاحين، لا البحث عن تبريرات، حيث تساعد هذه التبريرات على الولوغ في الدم السوري أكثر وأكثر.

ما يقلق المنهجية التي كثيرا ما تستخدم في مثل هذه الخطابات، أن أحدهم في إسرائيل قال قولا مثل: علينا أن نترك (العراك) بين اللبنانيين أنفسهم كي يحجموا حزب الله، أو تعبيرات من هذا القبيل تؤخذ ذريعة من أجل تلوين من ينادي بدولة لديها جهاز أمن واحد وسلاح واحد - مثل بقية الدول في العالم - تلوينه رغبة في تطبيق الاستراتيجية الإسرائيلية، وهو اتهام لا لبس فيه بالخيانة. مثل هذا الكلام قد يسري لدى البسطاء مسرى التصديق، إلا أن في هذا العالم كثيرين ليسوا بسطاء في التفكير ويستطيعون أن يفصلوا الملفين عن بعضهما! هذه المنهجية كثيرا ما تستخدم دون أن يفكر مستخدموها أن صدقيتها مشكوك فيها.

الخطاب في نهايته أخذ منحى التصالح الحذر والدعوة إلى الصبر من قبل المحازبين، بل وتأكيد التحالفات الداخلية، ودغدغة مشاعر العماد عون بالحديث عنه شخصيا، تلك تكتيكات يستخدمها السياسي لتمرير واقع آني، ولكنه خطاب غلبة في مجمله لم يأخذ في الحسبان مجمل التطورات.

أما المتوقع في ظل المتغيرات الحادثة، خاصة التطورات في سوريا، أن يكون للسيد والحزب خطة بديلة، في صلبها تحويل المحازبين إلى مواطنين، قبل أن يرتفع الموج على الجميع! فحزب الله يعيش في مجتمع متنوع، لا يقبل تاريخيا أن يطغى نوع واحد من الأدلجة المشوبة بالطائفية تحت شعارات براقة على ألوان الطيف الأخرى، من أجل الدفع بالفوز بحصة أكبر من الوطن، وإن ارتضى البعض ذلك مجبرين في أوقات سابقة، فإن تفجيرات 18 تموز قد تشهد نقطة التحول التي تعيد التوازن.

لم يكن الخطاب في مجمله خطاب المستقبل، كان خطاب الماضي، وهو لن يكون نافعا لا للنظام السوري الذي يفقد أجنحته، ولا للسلم الأهلي اللبناني الهش. ننتظر من السيد أن يعود إلى التوافق الذي اكتشفه اللبنانيون منذ زمن طويل (لا غالب ولا مغلوب).

آخر الكلام:

الخطابة الانفعالية لها مكان مشروع إن كانت تستخدم حافزا لمواجهة قضية افتراضية معتمدة على العاطفة، ولكنها تصبح ذات تأثير عكسي إن كان ثمة قرار استراتيجي وجب أن يؤخذ، إنها تزيد من صعوبة التفكير الواضح والعقلاني للوصول إلى ذلك القرار.