كذب مسطور!

TT

في ظل نظام كنظام بشار الأسد، وأبيه من قبله حافظ الأسد، كان الكذب هو إحدى أهم وسائل التأثير على الشعب، والنظام كان يبيع الأوهام المغرية. أوهام يسيل لها اللعاب السياسي، مثل القومية والعروبة والمقاومة، وكانت «تخترع» القصص والشعارات والأهداف لأجل تكريس هذه الأوهام في عقول الناس. النظام كان يكذب في الأرقام والإحصائيات، بل وحتى في النشرات الجوية الرسمية وأسعار العملات واحتياطي النقد الأجنبي وغيرها من البيانات. وعليه فليس غريبا أبدا لجوء النظام إلى كم مركّز من الأكاذيب والأساطير في مرحلته الأخيرة الحالية التي تسبق سقوطه والفصل الأخير في وجوده على الساحة السياسية.

فالنظام السوري يتخبط منذ السويعات الأولى لانطلاق الثورة السورية في كيفية تفسير ما حدث، وكيفية التعامل مع الأعداد المتزايدة من الثوار في كل المدن السورية، وبدأت قصص النظام الإعلامية لتفسير ما يحدث، وكلها كانت تقع بين المستحيل واللامعقول اعتمادا على لغة إعلامية «قمعية» فيها تهديد واستخفاف بالغير وخبراء وشهود هم أقرب للمهرجين.

والآن يتابع العالم كيف تعامل النظام السوري مع التفجير المهول لمبنى مركز الأمن القومي بدمشق، والذي أودى بحياة أهم القادة التنفيذيين للنظام السوري في المنظومة الأمنية منه تحديدا. وطبعا كانت هناك العديد من الثغرات الكبيرة في التغطية الإعلامية، إذ إن المبنى المقصود بالانفجار لم يتم تصويره أبدا، وبالتالي لم تظهر آثار التفجير المهول الذي قام به «إرهابيون» كما قالت المصادر الرسمية السورية حينما كانت أقاويل أخرى ترجح أن ما حدث هو تصفية «داخلية» قام بها النظام نفسه الذي دخل في مرحلة التخوين والتشكيك والخلاص من كل ما هو في دائرة الشك أو يحمل إمكانية التعاون مع الخارج، أيا كان الخارج هذا، سواء استخبارات دول أو المعارضة السورية نفسها.

وخرجت القصص الواحدة تلو الأخرى بخصوص «أشلاء» الانتحاري الذي نفذ العملية الإرهابية، وأنه تم التعرف على جسده وهويته.. وبعد ذلك بأربع وعشرين ساعة أعلن الإعلام السوري أنه «ألقي» القبض على منفذ العملية الإرهابية الانتحارية!! تخبط وكذب ويأس عجيب، حتى ضمن المدمنين للخطاب الإعلامي الرسمي السوري من مؤيدي بشار الأسد ونظامه، والذين أصبحوا يسخرون من التغطية الإعلامية الهزلية والمفردات الخشبية المستخدمة لتبرير ما يحدث.

بشار الأسد في ورطة كبيرة.. فهو لم يعد بإمكانه الوثوق في أحد. دائرته المغلقة تنحصر بعد أن تم اختراقها واستهداف شخصيات نافذة جدا فيها. وهو اليوم موجود في اللاذقية لأن دمشق العاصمة لم تعد آمنة، والوضع فيها أصبح خطيرا جدا. الجيش لم يعد من الممكن الوثوق فيه لأن الواقع يقول إن دائرة الأمان باتت تنحصر في الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة.

الجيش يتخبط ما بين الانشقاق ورفض تنفيذ الأوامر، بل إن بعض الأحياء في دمشق شهدت مواجهات عنيفة بين قوات الجيش المنقسمة على نفسها. والآن يخرج تصريح من سفير روسيا في باريس يلمح فيه إلى استعداد بشار الأسد للتنحي لكن بصورة حضارية، ويتعمد الإعلام السوري تكذيب الرجل والإعلان عن أن التصريح محرف، ويفضح كذب الإعلام السوري ما جاء في محضر اجتماع بوتين وأردوغان بموسكو من يومين الذي نشر في جريدة «حرييت» التركية، وأوضحت فيه أن الرئيسين اتفقا على استحضار بديل لبشار الأسد من النظام لم تتلوث يداه بالدم ويضمن حماية الأسد الذي سيتقرر بقاؤه في اللاذقية.

الإعلام السوري لم يعد فقط يكذب، لكنه يقدم مرآة صادقة ودقيقة لأربعة عقود من الزيف والكذب والخداع، أوشكت حبات الساعة الرملية فيها على الانتهاء.

[email protected]