قبرص؟

TT

تبلغ رجب طيب أردوغان نبأ مقتل أركان الحكم السوري، وهو يدخل إلى مكتب فلاديمير بوتين. أشدَّ المعارضين للنظام، وأشد المؤيدين. واحد يكرر منذ عام ونصف أن بشار الأسد انتهى، وآخر يردد أنه لا بدَّ من ترك الحل للشعب السوري، وبينهما الأميركي المغرّد: أصبحت أيام الرئيس السوري معدودة. وفي اليوم التالي وقف كوفي أنان يعرب عن أسفه لأن مجلس الأمن غير موحّد، كأنما هو مفاجأ وملتاع.

حفلة نفاق بارد فوق حلبة من الدماء الحارة. وحفلة عجز لئيمة، يغلفها كل طرف بتعابير «الغموض البناء» الذي اخترعه منظِّر الموت الجماعي في القرن الماضي، هنري كيسنجر. كلام لا يقول شيئاً. ودول تفرّغ ما في بطنها من جلود؛ المندوب الروسي يقول في جلسة مجلس الأمن، يوم الخميس، إن الحل يجب ألاَّ يسيّس، ومندوب البقاليات الصينية يقول «يجب ألا يكون الحل عسكريا».

17 شهرا و17 ألف قتيل والدول تتبادل الخداع وتوزع على أصدقائها المسكنات الكاذبة، كما يعطي الأطباء الأدوية الكاذبة للمريض الميؤوس من حالته. (الغرب) يخدع المعارضة، وروسيا تتمادى في تشجيع النظام على الانتحار الجماعي، فيما الصين ترصد حركة الأسواق. من وفد الدابي إلى جلسة فيتو الخميس، غرقت سوريا في الكلام والدماء والرماد. وبعدما كان اللبنانيون يفرّون إليها من حرب اسرائيل وحروبهم، صار السوريون يهربون إلى لبنان، مصابين أو مذعورين أو في طريقهم.. إلى أين؟ إلى قبرص!

كانت قبرص بوابة الهرب اللبناني على بعد 120 ميلا من بيروت، فإذا بها بوابة السوريين الذين أرسلوا جيشهم ليفصل بين محاربي لبنان، كما أرسلوا مخابراتهم يؤدبون سياسييه ويوزعون عليهم ما يحصدون. مشهد السوريين على جميع الحدود مع لبنان، يدمي القلوب. فسوريا لم تعترف يوماً بالحدود مع لبنان: «شعب واحد في بلدين» كان يقول الرئيس حافظ الأسد، ويكرر دوماً نائبه، السيد عبد الحليم خدام. وها هي الحدود، اليوم، قائمة بين بلدين، إحداهما حزين ومتعب، والثاني كالعادة مفكك ومتحلل ومستعجل على الخراب.

كنا نقول فيما لبنان يخترب وقوات الردع (الدابي لاحقا) تفشل: إذا كان لا بد من تدمير بيروت، فدمروها لكن اتركوا لنا مدينة عربية هانئة نعيش فيها. والآن دمشق. من أجل مَن دمشق؟ ومن أجل ماذا؟ هل الأوطان سائبة الى هذا الحد؟ بمن وبماذا نريد أن نقايض سوريا، دولة التعدد الأخيرة في الشرق؟ لماذا يريد كل عربي أن يحمل وطنا صغيرا على كتفه ويفر به، بدل الوطن الكبير الذي ولد فيه؟

لم يكن أحد يتخيل أن الحدود السورية سوف تفتح في اتجاه لبنان. أو الأردن. وخصوصاً تركيا. اعتدنا على أن الدول الصغيرة تتعرض لذلك، فيما يتمتع الشقيق الأكبر بميزات القوة وكبريائها. في المرة الثانية، دخل الجيش السوري لبنان من دون حتى إشعار لكي يصار إلى حسن الاستقبال. وكانت دمشق تعنى بلبنان بدءاً من رئيس الجمهورية وانتهاء بضباط المخافر. وللأسف صرف النظام كل وقته وعنايته في لبنان، بدل إعطاء الأولوية لشعبه الأول.. محزنة هذه النتيجة: قبرص، على خطى اللبنانيين.