تقدير مرحلة سقوط بشار

TT

منذ تفجير مقر الحزب الجمهوري الإيراني، الذي تسبب في مقتل أكثر من سبعين مسؤولا قبل ثلاثة عقود، لم يتلق نظام في العالم ضربة قاضية كما تلقاها نظام بشار. والتفجير السوري يعد الأخطر على الإطلاق، لأنه أصاب القيادة العسكرية والأمنية إصابة مدمرة، ولأنه حدث في يوم تمكن الثوار من نقل المعركة إلى قلب دمشق، ولأن بشار وأخاه ماهر بقيا وحيدين في إدارة صراع حسمت مقوماته لصالح الثوار، خصوصا بعد فقدانهما العماد آصف شوكت القائد المؤثر في التشكيلات العسكرية والأمنية، ولأن التفجير وقع في أهم موقع لإدارة الصراع، ولأنه سيؤدي حتما إلى فقدان ثقة أدوات القتل وانهيار معنوياتهم.

بمعزل عن التفجير، فقد حققت الثورة السورية مفاجأة كبرى باقتحامها «المبكر» لمدينة دمشق، وهو ما سيدفع النظام إلى سحب تشكيلات قتالية من المحافظات البعيدة، التي بدأها بسحب وحدات مدرعة من جهة الجولان، لمحاولة إعادة السيطرة على الوضع في دمشق. وسيتسبب قرار كهذا في انهيار شامل لقوات النظام في كل المحافظات، مما يدعم انتفاضة شعبية شاملة تطرد بقاياه إلى مناطق تبعثر غير مسيطر عليه.

ومن الناحية الأمنية، فإن التطورات المثيرة الأخيرة تثبت الحقائق التالية:

أولا: انهيار قدرة الاستخبارات على متابعة حركة المعلومات، وفشلها في التوصل إلى خطط ونيات وتحركات الطرف المقابل. وفي حالة كهذه، تصاب القيادة العسكرية بالشلل والتخبط وعدم القدرة على اتخاذ قرارات صحيحة، فتتلقى ضربات متتالية غير متوقعة، تفقدها توازنها.

ثانيا: انهيار قدرة الأمن على حماية المواقع المهمة. فالفشل في حماية مكتب الأمن القومي، الذي يشرف عليه أحد أبرز جنرالات المخابرات القدامى، يعطي انطباعا واضحا عن أن الاختراقات الأمنية وصلت إلى كل مكان.

ثالثا: فشل قوات النظام في منع تدفق السلاح والعتاد إلى قلب دمشق وعلى مقربة من مقار القيادة والسيطرة والأمن. وهذا يعني أن المقاتلين سيتلقون دعما كبيرا يساعد في تغيير المعادلات خلال فترة وجيزة.

رابعا: وجود ارتباطات عميقة لقوى المعارضة مع العاملين في المواقع الحساسة، مما يجعل تحركات النظام مكشوفة. وما يقوله المعارضون عن هذه الارتباطات أصبح واضحا وذا مصداقية عالية.

وفي ظل الاضطراب الذي ساد في اليوم الرابع لاقتحام دمشق، خرج وزير الإعلام السوري على شاشة التلفزيون الحكومي، مدعيا القدرة على تجنيد خمسة ملايين مقاتل خلال 48 ساعة، وأشار إلى أن ما استخدم من القوة البشرية للجيش لم يتجاوز الثمانية في المائة. وهو ادعاء مضحك تماما، تثبت بؤسه العمليات الميدانية في كل أجزاء سوريا، التي شهدت زج آلاف المدرعات.

ولمحاولة استمالة الغالبية العظمى من الشعب، صدر قرار بتعيين العماد فهد الفريج نائبا للقائد العام ووزيرا للدفاع. وهو شخص سيكون معزولا عن مناطق انتمائه الثائرة، ومعزولا عن القيادة الفعلية للجيش، لأن النظام لا يمكن أن يسلم القيادة العسكرية بيد شخص من أغلبية ثائرة.

وما قيل عن انسحاب قوات النظام من بعض أحياء دمشق، فإن من المتوقع أن يتم اللجوء إلى أسلوب تفادي المجابهة المباشرة، لعدم كفاية القوات لإدارة معارك واسعة ومباشرة وحامية. مع تزايد فرص الانشقاقات العسكرية. وإن مدينة دمشق لا يمكن تغطيتها بالفرقة الرابعة وقوات الحرس الجمهوري، بل ستحتاج السيطرة عليها إلى أضعاف هذه القوات. وهو ما لم يعد متاحا، إلا على حساب المحافظات الأخرى. وهذا يسوق إلى احتمال مطروح يشير إلى أن النظام كان يخطط للانتقال مع عناصر قوة من العاصمة إلى منطقة الساحل، للتمترس هناك تمهيدا لإعلان دولة الطائفة. ووفق كل الحسابات فإن خطوة كهذه ستكون محكومة بالفشل لأنها ستتعرض لضغوط شديدة متواصلة، لا سيما في ظل حالات التداخل السكاني.

ويستدل مما يقوله المعارضون، على أن ثوار المعارضة سيديمون ضغطا «تعرضيا» شديدا - حسب اللغة العسكرية – على دمشق والمحافظات الأخرى. ووفقا للمستجدات الحالية، يفترض أن تتضاعف أعداد الانشقاقات العسكرية لتصبح بالآلاف يوميا. ويبدو أن الثورة السورية مكتوب لها الحسم من دون تدخل عسكري دولي. وها هم قادة الكرملين وقادة مخابراتهم باتوا يدركون سذاجة تقييمهم للثورة السورية، عندما قالوا إن المعارضين ليسوا قادرين على قهر الجيش الحكومي حتى لو حصلوا على السلاح اللازم. والآن بدأت مرحلة سقوط بشار، التي يفترض أن تكون قصيرة للغاية.