تعجبني مشية (الإوزة)

TT

في مرحلة مبكرة من حياتي، كان من ضمن هواياتي (جمع الطوابع) البريدية، ثم تطورت إلى ما هو أحسن منها عندما أصبحت هوايتي المفضلة هي (جمع الأحذية) التي شغفت بها جدا.

لا تسخروا مني، فهذا هو الواقع المفرح والحميم بالنسبة لي، ومن يفتح دولابي فسوف يتفاجأ بالأعداد الكثيرة منها، فالحذاء بنسبة لي هو أهم حتى من طعامي، فله عندي حظوة كبرى، ولا أبالغ إذا قلت إن لدي منها مختلف (الموديلات) والألوان، وكل (جزمة) منها تقول للأخرى (وخري وأنا أجلس بدالك)، بعضها أصبح لها عندي عدة عقود ولم أعتقها أو أرمها أو أفرط بها، ولا أنسى مقولة المطرب (عبد الوهاب) عندما قال في مقابلة له: إنني أحسد (جزمتي) هذه، لأنها سوف تعيش أكثر مني.

وكان صادقا وأمينا في مقولته تلك، فقد مات بعدها رحمه الله، وما زالت جزمته على قيد الحياة، وتحتفظ بها أرملته (نهلة القدسي).

وأذكر فيما أذكر أنني حضرت يوما مجلسا لرجل من علية القوم، وكان حاضرا في ذلك المجلس رجل (عيار)، أي (هزلي)، فطلب منه صاحب المجلس أن يختار من الحاضرين أحسن ما فيه ويقتنيه لنفسه.

فبدأ بالأول قائلا: أتمنى أن آخذ طوله الفارع، ومن الثاني عينيه العسليتين، ومن الثالث جمال أنفه المسلول، ومن الرابع تناسق جسمه، ومن الخامس ثقافته العالية، ومن السادس حسن كلامه ولسانه (الذرب)، ومن السابع ثروته و(ملايينه)، وعندما وصل إلى الثامن أراد أن يضحك الجميع فقال: أما هذا فإنني أريد أن آخذ مؤخرته، وفعلا كان ذلك الشخص يحظى بعجيزة ضخمة ومتورمة، فانفجر كل من في المجلس بالضحك، وما إن وصل الدور عندي حتى وقف ذلك الرجل الهزلي أمامي وأخذ يتفرسني لمدة لا تقل عن خمس دقائق، وأنا أتمتم بيني وبين نفسي قائلا: الله يستر، ولم يمهلني ذلك الرجل حتى قال: ماذا تعتقدون أن آخذ من هذا (الصعوة)؟! والصعوة لمن لا يعرف هي من أصغر الطيور وأضعفها، وأردف قائلا وهو يشير إلي: إنني لم أجد به أي مزية غير أن (حذاءه لامع)، وانفجر الجميع مرة أخرى ضاحكين ويمسكون بطونهم، بل إن بعضهم أخذوا يصفقون ويقولون له: أعد، أعد.

في الوقت الذي انتشيت فيه أنا ولم أشعر بالمهانة إطلاقا، بل بالعكس شعرت بالفخر وأحسست أنني حققت إنجازا في حياتي ما بعده إنجاز، ولم أتورع وقتها إلا أن أنحني وأربت على (جزمتي) قائلا بيني وبين نفسي: (الله لا يحرمني منك)، ويجعلك ذخرا لي.

قد لا تصدقون أن في مكتبتي (رف) كامل يحتوي على تأريخ الأحذية، ابتداء من (الفراعنة)، مرورا (بموسى) عليه السلام عندما خاطبه المولى قائلا: «اخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى»، ووصولا إلى (منتصر الزايدي) الذي قذف بحذائه المهترئ وجه الرئيس الأميركي السابق (بوش).

وللأسف إنهم في المدة الأخيرة لم يحترموا الأحذية كما يجب، وها هم في ميدان التحرير بالقاهرة، يرفعونها في وجوه أخصامهم دلالة الاحتقار لهم، بل إنهم فوق ذلك أخذوا يرسمون وجوههم على أسافلها نكاية بهم وزيادة بالاحتقار لهم.

ولدي الآن أكثر من أربعة مجلدات، كل مجلد به ما لا يقل عن ألف صفحة مكتوبة ومصورة، وكلها تتحدث عن تأريخ وتطور أحذية النساء خصوصا، ابتداء من المرأة الصينية التي حصرت قدمها في حذائها الضيق، مرورا بحذاء (ماري أنطوانيت)، و(كوكو شانيل)، وأميرة موناكو الراحلة (غريس كيلي)، وانتهاء (بالتنس شوز)، والحذاء (الزحافي).

أما الذي يستهويني (بجد) هو عندما أشاهد المرأة وهي تخطو (حافية) القدمين (وتتقصوع)، وتمشي مثلما تمشي (الإوزة) على الطريقة العسكرية التي يحبها (هتلر).

[email protected]